مدرسة الشريف الإدريسي الابتدائية بطنجة

فضاء الأستاذ صفحة من الصفحات الإلكترونية لمدرسة الشريف الإدريسي الابتدائية العمومية الكائنة بمقاطعة بني مكادة بمدينة طنجة

28‏/04‏/2014

البيداغوجيات الحديثة في التدريس

نحو تقريب مفهوم الكفاية:

حكاية أحمد:
  " بينما كان أحمد مسافرا لزيارة بعض أقاربه، إذا به يكتشف عطبا في سيارته اضطر معه للتوقف بإحدى المدن غير المعروفة، وبعد تفكير طويل، أخرج أحمد خريطة استخدمها في البحث عن ورشة ميكانيكي لإصلاح العطب، غير أن هذا الأخير أخبره بأن عملية الإصلاح ستستغرق نصف يوم، وهو ما دفع أحمد إلى تحديد مركز البريد على الخريطة ليخبر أقاربه بتأخره عن الوصول، توجه بعدها إلى أحد الأبناك لسحب النقود اللازمة لإصلاح السيارة. وعندما شعر أحمد بالتعب والجوع، قرر دخول مطعم تناول فيه وجبة الغذاء واحتسى فنجانا من القهوة قبل أن يعود ليدفع أجرة الميكانيكي في المساء، ثم يواصل طريق سفره."
تحليل الحكاية في ضوء المقاربة بالكفايات:
   تقدم لنا هذه الحكاية دلالات وأبعادا جد هامة ترتبط أساسا بمسألة تدبير الشأن اليومي وسبل مجابهة مشكلات الحياة الاجتماعية. صحيح أن حالة أحمد هي مجرد حكاية من نسج الخيال، لكن بالرغم من ذلك، فإن كل فرد منا لابد أنه معرض لمصادفة مشاكل مماثلة لتلك التي عرفها أحمد، فقط يبقى السؤال المطروح هو: هل كل الناس قادرون على حل مشاكل الحياة اليومية بنجاح؟ وبمعنى آخر، هل جميع الأفراد يملكون الكفايات اللازمة لمعالجة مختلف الوضعيات الاجتماعية؟  لنترك الجواب عن هذا السؤال إلى حين، ولنعد إلى تحليل حكاية أحمد:
   واضح أن صاحبنا تمكن بنجاح من التكيف مع وضعية جديدة (تعطل السيارة داخل مدينة غير معروفة)، مما يدل على تحكمه في كفاية أساسية؛ ألا وهي التموقع في المكان. ومعلوم كذلك أنه لتحقيق هذه الكفاية عمد صاحبنا إلى تعبئة وإدماج مجموعة من:
- القدرات:
     - القدرة على قراءة تصميم أو خريطة؛
     - القدرة على تحديد نقطة أو معلم؛
     - القدرة على طلب معلومات والحصول على إرشادات...
- المعارف:
     - مفهوما سلم التصاميم والخرائط؛
     - عناصر الطبوغرافيا؛
     - مفهوم الشبكة والقن...   
    ومن هذا المنطلق، يمكن تعيين أهم العمليات والإجراءات التي وظفها أحمد في إطار بحثه عن حل  لمشكلته كالتالي:
- التعبئة Mobilisation: وترتبط بسيرورة البحث عن الموارد المعرفية اللازمة ( معارف- قدرات- مهارات..)، تمارس خلالها عمليات عقلية عليا كالانتقاء والفرز والتصنيف والتحقق، وجعلها على أهبة الاستعداد لإيجاد الحلول المناسبة.
- الإدماج Integration: وهو تجميع للعناصر السابقة بعدما كانت متفرقة، من أجل إكسابها معنى وجعلها وظيفية تستخدم بطريقة ضمنية، غير قابلة للتحديد. 
- التكيف Adaptation: وهو النتيجة الطبيعية للعمليتين السالفتين( التوصل إلى حل الوضعية)؛ فالتكيف حالة من التوازن المعرفي للذات وعودة لاستقرارها النفسي والمعرفي. 
أضف إلى ذلك أن أحمد سيبدي لا محالة نفس الاستعداد لحل جميع الوضعيات المشابهة لتلك التي قابلها أثناء سفره؛ وهذا يعني أن الموارد المعرفية الموظفة من قبل أحمد قابلة لأن تنسحب على فئة عريضة من الوضعيات المتشابهة.  
   
الكفايات في المجال التربوي:

      لا شك أن التحليل السابق سيسعفنا كثيرا في الخروج بتعريف ملائم لمفهوم الكفاية قبل أن ننطلق في البحث عن الإطار المرجعي للمفهوم وكذا مسوغات تبنيه في تدريس مادة الرياضيات على وجه الخصوص. وهكذا يمكن القول إن الكفاية هي القدرة على مواجهة وضعيات محددة، بالتكيف معها عن طريق تعبئة وإدماج جملة من المعارف والمهارات والتصرفات من أجل تحقيق إنجاز محكم وفعال.
    أما المفهوم في حد ذاته فيندرج ضمن منظور التدريس بالأهداف بوصفه نموذجا من نماذجه، تم تعديله وتحيينه استجابة للانتقادات الموجهة إلى بيداغوجيا الأهداف بسبب ما أصاب هذه الأخيرة من انغلاق في نزعة إجرائية سلوكية حولت الفعل البيداغوجي إلى سلوك تعودي ورد فعل إشراطي يكرس التكرار والمعاودة ويلغي الابتكار والإبداع. من هنا برزت الحاجة إلى تبني التدريس بالكفايات كمقاربة شمولية نابعة من تصور سوسيوبنائي يروم تصحيح سلبيات الأهداف الإجرائية وطبيعتها التفتيتية، ويصبو في ذات الوقت إلى تمكين التلميذ من الاندماج في الحياة العامة والقدرة على التكيف مع مختلف الوضعيات التي تصادفه. أما من جهة أخرى، فإن مفهوم الكفاية يحيل إلى إشكالية قديمة هي إشكالية "  نقل المعارف"، فهل ينبغي أن تخدم المعارف المكتسبة داخل المدرسة أغراضا مدرسية محضة ( معرفة حل التمارين ، الحصول على نقط عالية، النجاح في الامتحانات...)، وفي هذه الحالة يعجز كثير من التلاميذ عن حشد مكتسباتهم في وضعيات حقيقية وواقعية، أم أن هذه المعارف يجب أن تكتسب من أجل تمكين التلاميذ من حل وضعيات  ليست بالضرورة ذات طبيعة مدرسية بل تنتمي إلى ميادين الحياة العملية بكل تعقيداتها. والحقيقة أن المقاربة بالكفايات جاءت بالفعل لتصحيح وظيفة المدرسة وجعلها بالتالي تركز على إعداد وتأهيل الأطفال للانخراط الفعلي والفاعل في بناء المجتمع وحل مشاكله التنموية. والمدرسة المغربية، بوصفها مناط التربية والتكوين، أبت إلا أن تعيد النظر في ممارساتها وتجدد مقارباتها في ظل الدعوة إلى تجاوز التركيز على الأهداف الإجرائية، على اعتبار أن مجموع هذه الأخيرة لا يساوي ما تصبو إليه غايات التعليم، فالكل، باعتباره نسقا، لا يساوي دائما مجموع أجزائه. لذلك كان مدخل الكفايات بديلا ناجعا يتوخى المردودية التربوية، ويتطلع إلى ربط فضاء المدرسة بالحياة العملية ربطا متينا ووظيفيا.      
ونظرا إلى هذه الأهمية التي تكتسيها المقاربة بالكفايات في الحقل التربوي، فقد أفرد لها الباحثون عدة محاولات طالت على وجه الخصوص تعريف مفهوم الكفاية، وهي تصب جميعها في التعريف الذي سبق أن أوردناه أعلاه. وهذا جرد لبعض منها: 
الكفاية بأنها القدرة على تعبئة مجموعة من الموارد المعرفية لمواجهة   Philippe Perrenoud     يميز فيليب بيرنو فصيلة من الوضعيات بشكل مطابق و فعال، وترى غزلان توزان ainTousain Ghislain أن الكفاية هي حصيلة إدماج معارف ومهارات تتجلى في قدرة المتعلم على تحقيق إنجازات محددة.     
   وأما  لوبوتيرف Le Boterf .Guy فيعتبر أن الكفاية هي القدرة على التحويل، وليس الاقتصار على إنجاز مهمة وحيدة تتكرر بشكل اعتيادي... كما أنها القدرة على تكييف السلوك مع الوضعية، ومجابهة الصعوبات غير المتوقعة.  
   إلا أن ثمة مفاهيم تتجاور مع مفهوم الكفاية وتختلط به أحيانا، نرى أنه من المفيد تمييزها وتوضيح دلالتها فيما يلي:
- القدرة:
وهو المفهوم الأكثر التباسا بالكفاية، بحيث يغدو من الصعب ومن غير الواضح التمييز بين القدرة والكفاية، ومع ذلك توجد بعض الفروق بين المفهومين، إذ إن القدرة تعرف بكونها نشاطا فكريا ثابتا، قابلا للنقل في حقول معرفية مختلفة...وهي لا تظهر إلا من خلال تطبيقها على محتويات متعددة. فمثلا قدرة التحليل تبرز من خلال تطبيقها على:
  - تحليل جملة.
   - تحليل نص أدبي.
   - تحليل وضعية- مسألة في الرياضيات.
   - إلخ... 
- المهارة:
قدرة مكتسبة على أداء فعل بتناسق وإتقان وتحكم وذكاء وسهولة، مثلا: مهارة لغوية، مهارة يدوية، مهارة رياضية...
- الأداء :
يقصد بالأداء ما يتمكن الفرد من تحقيقه آنيا من سلوك محدد، وما يستطيع الملاحظ الخارجي أن يسجله بأكبر قدر من الوضوح والدقة. ومن ثم فإن مفهوم الأداء يختلف كثيرا عن مفهوم القدرة...من حيث إن هذه الأخيرة تشير إلى إمكانات عديدة توجد عند الفرد بالقوة، ويمكن أن تتجلى في أنشطة متعددة وفي ظروف متنوعة. بينما يشير الأداء إلى ما يحقق هنا والآن.

أنواع الكفايات: 
    تنقسم الكفايات بشكل عام إلى صنفين أساسيين،هما: 
الكفايات النوعية:
    وترتبط بمادة دراسية معينة، وهي أقل عمومية، يمكن أن تتحقق في نهاية مقطع أو نشاط تعلمي . وهذه بعض أمثلتها:
- مقارنة أعداد طبيعية وترتيبها تصاعديا وتنازليا.
- حساب مساحة أشكال هندسية محددة.                   
- الانتقال في شبكة بواسطة قن معين. 
الكفايات الممتدة: 
    وهي غير مرتبطة بمجال دراسي بعينه، بل تمتد لتشمل مجالات ومواد مختلفة. مثلا امتلاك آليات التفكير العلمي أو القدرة على التحليل والتركيب...
وتتخذ الكفايات في المنهاج الدراسي بالتعليم الابتدائي طابعا استراتيجيا أو تواصليا أو منهجيا أو ثقافيا أو تكنولوجيا.
الكفايات الاستراتيجية:
   تستوجب تنمية الكفايات الاستراتيجية وتطويرها في المناهج التربوية:
       - التموقع في الزمان والمكان؛
       - التموقع بالنسبة للآخر وبالنسبة للمؤسسات المجتمعية (الأسرة، المؤسسة التعليمية، المجتمع)، والتكيف معها ومع البيئة بصفة عامة؛ 
       - تعديل المنتظرات والاتجاهات والسلوكات الفردية وفق ما يفرضه تطور المعرفة والعقليات والمجتمع. 
الكفايات التواصلية:
   حتى يتم معالجتها بشكل شمولي في المناهج التربوية، ينبغي أن تؤدي إلى: 
       - إتقان اللغة العربية وتخصيص الحيز المناسب للغة الأمازيغية والتمكن من اللغات الأجنبية؛ 
       - التمكن من مختلف أنواع التواصل داخل المؤسسة التعليمية وخارجها في مختلف مجالات تعلم المواد الدراسية؛
الكفايات المنهجية:
   تستهدف إكساب المتعلم:
       - منهجية للتفكيروتطوير مدارجه العقلية؛
       - منهجية للعمل في الفصل وخارجه؛  
      - منهجية لتنظيم ذاته وشؤونه ووقته وتدبير تكوينه الذاتي ومشاريعه الشخصية. 
الكفايات الثقافية: 
   وينبغي أن تشمل: 
     - شقا رمزيا مرتبطا بتنمية الرصيد الثقافي للمتعلم، وتوسيع دائرة أحاسيسه وتصوراته ورؤيته للعالم وللحضارة البشرية بتناغم مع تفتح شخصيته بكل مكوناتها، وبترسيخ هويته كمواطن مغربي وكإنسان منسجم مع ذاته ومع بيئته ومع العالم؛ 
       - شقا موسوعيا متصلا بالمعرفة بصفة عامة.  
الكفايات التكنولوجية: 
   واعتبارا لكون التكنولوجيا قد أصبحت في ملتقى طرق كل التخصصات، ونظرا إلى كونها تشكل حقلا خصبا بفضل تنوع وتداخل التقنيات والتطبيقات العلمية المختلفة التي تهدف إلى تحقيق الخير العام والتنمية الاقتصادية المستديمة وجودة الحياة، فإن تنمية الكفايات التكنولوجية للمتعلم تعتمد أساسا على: 
       - القدرة على تصور ورسم وإبداع وإنتاج المنتجات التقنية؛  
      - التمكن من تقنيات التحليل والتقدير والمعايرة والقياس، وتقنيات ومعايير مراقبة الجودة، والتقنيات المرتبطة بالتوقعات والاستشراف؛ 
       - التمكن من وسائل العمل اللازمة لتطوير تلك المنتجات وتكييفها مع الحاجيات الجديدة والمتطلبات المتجددة؛  
     - استدماج أخلاقيات المهن والحرف والأخلاقيات المرتبطة بالتطور العلمي والتكنولوجي بارتباط مع منظومة القيم الدينية والحضارية وقيم المواطنة وقيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية.

الوضعية- المسألة

   تحيل الوضعية- المسألة إلى نظرية الوضعيات، وخاصة الوضعية الديداكتيكية بعد التحول الذي طرأ على دلالتها، من مجرد سياق تربوي لممارسة فعل التدريس في تفاعل بين أطراف ثلاثة هي المدرس والمعرفة والتلميذ، إلى وضعية تحمل حسب بروسوBrousseau.G مشروعا اجتماعيا يروم إكساب التلميذ معرفة مبنية أو في طريق البناء. 
  وانسجاما مع التصور السالف الذكر، تعد الوضعية-المسألة- كوضعية ديداكتيكية- عنصرا أساسيا من عناصر المقاربة البيداغوجية في تدريس الرياضيات بالسنة السادسة من التعليم الابتدائي، لارتكازها من جهة على الأسس الديداكتيكية ذات المنحى البنائي والاستكشافي، ومساهمتها، من جهة ثانية، في تنشيط ميكانيزمات التعلم الذاتي، واستثارة الحوافز الداخلية للطفل. وتمثل الوضعية-المسألة عادة برسم أو صورة أو نص لغوي أو موقف تمثيلي، كما يمكن أن تجسدها جميع هذه العناصرأو بعض منها فقط.
   ولكي تحقق الوضعية- المسألة أهدافها المنشودة، ينبغي أن:
  •    - ترتبط بمعيش الطفل، وأن يمثل محتواها جزءا من واقعه الاجتماعي؛
  •    - تكتسب الدلالة والقيمة، لتشويق التلاميذ وجلبهم للانخراط الفعلي في سيرورة التعلم والاكتساب، والتجاوب بالتالي مع ثوابته ومتغيراته؛  
  •    - تخلو من التعقيد والتشويش، أي أن توضع عناصر المشكل بكاملها في المجال الإدراكي للتلاميذ، مما يساعدهم على إدراك العلاقات ودمج عناصر ومثيرات المجال في وحدة جديدة تسعفهم بالحل المطلوب:
  •    - تثير فضول التلاميذ وتخلق لديهم تساؤلات.   
  •    - ترتبط بعائق محدد قابل للتخطي، فالتلميذ حسب فيكوتسكي Vygotsky.L لا يتعلم إلا بجعله يجابه وضعيات تفوق مستوى نموه العقلي بشكل معقول. وهذا يؤكد ضرورة أن يتوفر في الوضعية- المسألة شيء من الصعوبة، وأن تتجاوز بنيتها البنيات العقلية للتلميذ؛.
  •    - تحقق قطيعة أو قطائع معرفية تقود التلاميذ إلى تفكيك نماذجهم التفسيرية الأولية، وتدفعهم إلى إعادة بنائها عن طريق صياغة مختلف الإجابات المقبولة وتوسل كل الاستراتيجيات الممكنة؛
  •    - تؤول إلى إكساب التلميذ معارف ذات صبغة شمولية (مفاهيم- قوانين- قواعد...).

التخطيط للوضعيات- المسائل:  

    إذا كان مطمح الوضعية-المسألة كامنا في بناء التعلم واكتساب المعارف الرياضية، فإن تحقيق ذلك يظل رهينا بجودة فعل التخطيط، إن على المستوى الهيكلي العام، أو على مستوى مضمون كل مرحلة من مراحل التخطيط والتي نوجزها فيما يأتي:  
تحديد الكفايات:     
   - تحديد الكفايات المراد اكتسابها من طرف التلاميذ، مع تحليلها إلى مجموع قدرات تترجم ما سيتعلمه هؤلاء من معارف أو مفاهيم أو مهارات.  
صياغة المشكلة:    
    بعدما يضع الأستاذ الكفايات المستهدفة، ينتقل إلى التفكير في صياغة المشكلة الجديرة بتحفيز فضول المتعلمين.     و التفكير في المشكلة يعني إلباس الوضعية لبوسا ملائما ذا معنى ودلالة واضحة بالنسبة إلى الأطفال، بالشكل الذي يغدو معه الأستاذ مطالبا بالاستناد إلى ثلاثة معايير أساسية:    
  - التقبل Acceptation : أي أن المتعلم يقبل المشكل باعتباره مشكلا، ويشعر بدافع بحث هذا المشكل.  
  - العائق Blocage : أي أنه لا يستطيع استعمال نماذجه المألوفة ولا يتوفر على خطة جاهزة.       
  - الاستقصاء noExplorati : إن الدافع الذي يحفز الفرد يجعله يبحث عن طرق لمعالجة المشكل.  
      
  كما تتطلب صياغة المشكلة اتباع ثلاث خطوات، هي:          
 - تحديد عناصر المشكلة: ويقصد بذلك ضبط جميع المتغيرات المتحكمة في صياغة المشكلة، مع إبعاد كل ما من شأنه التشويش على التفاعلات والعلاقات بين العناصر المكونة لها؛            
- توزيع الأدوار والمهام: تشترط الوضعية- المسألة عادة وجود فاعلين (تلاميذ/أستاذ) ينبغي أن يسند إلى كل منهم الدور أو المهمة التي سيضطلع بها للتأثير في العناصر والتأثر بها؛             
- توقع حدوث معطيات غير منتظمة: إذ إن تنفيذ الوضعية على أرض الواقع غالبا ما تعترضه طوارئ غير منتظرة وغير مخطط لها، سواء تعلق ذلك بالبنية البشرية أو بالبنية المادية. وعلى العموم يتعين على الأستاذ احتمال بروز جميع المستجدات الممكنة والتفكير بالتالي في كيفيات التخفيف من تأثيراتها.  

حل المشكلات

 غالبا ما يرتبط حل المشكلات بتدريس المواد العلمية أكثر من غيرها، وذلك بوصفه بديلا لما هو مألوف في الممارسات التربوية التقليدية وفي سائر النماذج التعليمية الأخرى المتمركزة حول المعرفة. ومعلوم أن حل المشكلات هو نموذج ديداكتيكي " ينطلق من أسس نظرية تنظر لعملية التعليم على أنها نتاج المجهود الخاص لجماعة التلاميذ، كما أنها تؤسس ممارستها على استراتيجية تعليمية تعلمية، ترتكز على سيرورة من العمليات تتجة نحو حل مشكلات مطروحة على جماعة من التلاميذ". وتتدرج طريقة حل المشكلات وفق خطوات عامة هي:  
- تحديد المشكلة: حيث يواجه المتعلمون وضعية تحمل مشكلة تدفعهم إلى الشعور بالحاجة إلى البحث عن الحلول المناسبة؛      
- صياغة الفرضيات: في هذه المرحلة يقترح التلاميذ أجوبة مؤقتة ونماذج تفسيرية أولية بمثابة حلول للمشكلة المطروحة؛     
- تمحيص الفرضيات: الأجوبة المؤقتة تحتاج إلى اختبار صحتها من خلال قيام التلاميذ بمناولات أو تجارب أو استطلاعات؛      
- الإعلان عن النتائج: وهي الخطوة الأخيرة التي يتوج فيها المتعلمون أبحاثهم بالتوصل إلى الحلول والنتائج المرجوة.
   هذا وقد عمد هذا الدليل إلى توظيف طريقة حل المشكلات في معالجة بعض المفاهيم الرياضية خصوصا عند تقديم دروس المسائل، إلا أن الأستاذ مدعو إلى استلهام تقنيات حل المشكلات واستثمارها كلما اقتضت طبيعة الموضوع المقدم ذلك .

09‏/04‏/2014

ممارسة مهنة التدريس

1 مقدمة
إن ممارسة التدريس هي عملية مركبة و معقدة و تحيط بها متغيرات كثيرة و متجددة، و تتطلب جهدا بدنيا و فكريا، و حضوراً ذهنياً و تركيزا كبيراً.
و قد تصبح التجربة المكتسبة عبر سنوات سنداً داعما في حرفية الممارسة و تحسين جودتها، أو تكريساً لرتابة تؤدي لتناقص في المردودية و الفعالية، مع تقدم السن و الضعف التدريجي الذي يصيب الحواس و الأجهزة البدنية الأخرى. كما أن حب المهنة و الاقتناع الداخلي برسالتها و أمانتها الكبيرة يساعد على اكتساب الصنعة: صنعة و فن التدريس و ممارسة التدريس.
أحاول في هذا الموضوع لملمة بعض التجارب الخاصة في القسم عايَشْتُها و جمعت حولها نظرة و مقاربة لهذه الممارسة، و قناعات أصبحت كمبادئ عامة تتحكم فيها. أتمنى أن تكون موفقة و مجدية و نافعة. و منها ما هو خاص بمادة الرياضيات و منها ما هو عام، و هي ليست توجيهات و لا إملاءات و لا تنظيرا لأحد، فمنها ما يؤخذ و ما يُترك و ما يُناقش و ما يُنتقد و ما يُعتمد و ما لا يُعتمد و الله الموفّق.

 2 العدل
العدل في التعامل و في التنقيط و في الاهتمام و في الإشراك و المشاركة و في التشدد و المسامحة و هنا لا بد من الانتباه لحساسية الذكور بينهم و الإناث فيما بينهن و الذكور و الإناث فيما بينهما.
فالإحساس بالظلم أو بالدونية أو الفوقية عوامل هدم لكيان القسم و لنفسية التلاميذ جميعا و لا تخدم مصلحة الأول و لا الثاني. فالعدل و الفضل و المساواة أساس كبير في إنجاح ممارسة التدريس و دونها تصبح كل المجهودات عبثا و كل عمل الأستاذ في مهب الريح و كلماته لا وزن لها.

3 القدوة بالفعل
إن كل ممارس للتدريس هو صاحب رسالة تربيةٍ و أخلاق، كيفما كان نوع المادة التي يدرّسها. و لإيصال هذه الرسالة تكون تصرفاته و أفعاله أبلغ من كل خطاب و من كل نصيحة، و إن كانت منمّقة الأسلوب و عميقة المعنى.
فالقدوة بالفعل و العمل تؤثر في شخصية التلاميذ بشكل كبير، فالإخلاص في العمل و حُسن المعاملة و طَيِّبُ القول، و الاجتهاد في العمل، و الفعالية في التدريس، و الحزم المتوازن و احترام الوقت في الحصص، و احترام الوعود و الالتزام بها، أمور كثيرة ذات مفعول كبير في تعليم التلاميذ قيم عملية مشاهدَة و ليست أقوالا فقط.
و هذه الأمور تساعد في المادة المدرّسة كيفما كان نوعها و تجعل الإقبال عليها أكبر و الإنصات للمدرّس أكثر في طريقة شرحه و في توجيهاته المرتبطة بها و تصبح بعد ذلك النصائح مسموعة لمصداقية صاحبها في أفعاله.

4 متعة التدريس
تستتبع ممارسة التدريس عوائق و مشاكل و صعوبات و أحاسيس كثيرة مواكبة لها، من قلق و توتّر و غضب و حسرة و حزن و إحباط و نفور. لكنها أحاسيس وقتية ظرفية كردّ فعل مباشر لما يكابده الأستاذ في هذه الممارسة. لكن هناك متعة في التدريس و في ممارسة التدريس يجب استشرافها و تذوقها و البحث عنها، و هي مفتاح مواصلة المسيرة الطويلة في التدريس بأقل الخسائر الصحية و النفسية و العقلية و الجسدية.
* فنظرة احترام و تقدير ( و ليس خوف أو تخوّف )، من التلاميذ الحاليين و القدامى فيها متعة كبيرة و كبيرة.
* نظرة فهم للدرس أو الخاصية أو المثال من التلاميذ فيها متعة كبيرة و كبيرة.
* توصيل رسالة أخلاقية وخاصة بشكل غير مباشر ومعاينة نتائجها الإيجابية متعة ليس لها ثمن.
* بعث الأمل و روح العمل و المثابرة في المنكسرين من التلاميذ فيها متعة.
* حلّ عقدة الفهم و التتبع و ممارسة التعلّم عند التلاميذ و معاينة التحسن التدريجي في المستوى لديهم فيها متعة تحبيب المادة المدرّسة و جعل الإقبال عليها و الإهتمام بها أكبر، متعة كبيرة و ليس لها مثيل.
* متعة تدريس المادة لشغف المدرّس بها ولا يستشعرها إلا من كان مولعا بمادته كثيرا.
* النجاح في برنامج الحصة و راحة الضمير في نتيجتها و في العمل عموما متعة كبيرة، فمتعة راحة الضمير عند من هو حيّ عندهم لا تقدر بثمن.
* متعة استشعار دور الأمانة و الرسالة التي على عاتق معلّم الناس الخير، فالمهنة شريفة و غالية.

5 كسب الثقة
من العوامل التي تريح الأستاذ في عمله و تجعل تعليمه فعالا مجديا هو كسبه لثقة تلامذته فيه من جهة و تمكنه من الحصول على الأمان في قسمه.
فقاعدة أو خاصية أو منهجية أو نصيحة قد يسمعها التلاميذ من أحد فيقبلون عليها و ينتهجونها، و قد لا يعيرونها اهتماما من آخر و لو بنفس المضمون ولو بنفس طريقة العرض.
فجانب الثقة في شخصية الأستاذ و شخصه عامل محوري في نجاح ممارسة التدريس.
التفكير في أهمية كسب الثقة يتيح المجال للبحث عن طرق و وسائل الحصول عليها، و قد فصلنا في بعضها من قبل كالعدل و القدوة بالفعل و التحسيس بالكفاءة و المقدرة و الفعالية و التجربة و بعث جو من الأمن و الأمان في القسم.
أما حصول الأستاذ على الأمان في قسمه فمؤشره هو قدرته على إدارة ظهره للكتابة في السبورة دون تخوف من حصول أي عبث في القسم أو عند خروجه من القاعة أو عند محادثة أي تلميذ فلا يستقبل تشنجا كبيرا أو مواجهة غير محمودة و هذا نجاح كبير في عملية ممارسة التعليم يريحه طيلة السنة الدراسية بل يكفل له سمعة للأجيال اللاحقة.
و هذا الأمان يجب أن يكون بعيدا عن بعث جو الرعب و الخوف لديهم، فهذا أمان المتعجرفين المتكبرين الطاغين، بل هو توازن صعب بين التقدير و الاحترام و الإحساس بمقدرة الأستاذ على ضبط كل الأمور ومعالجتها و الحزم والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة العادلة.

6  صوت المدرّس
أداة تواصلية محورية و وسيلة لا غنى عنها في مجال التدريس و أكثر ما يستهلكه الأستاذ من جسمه و جسده، و يتعرّض هذا الصوت لعوامل التلوث الناتج عن غبار الجو و غبار الطبشور، و عوامل تغير درجات الحرارة بين داخل الحجرة الدراسية و خارجها كما يتعرّض لاستعمال كثيف و إجهاد كبير بعد كل حصة دراسية.
فعدد الكلمات بالآلاف في اليوم و طريقة الإلقاء الانفعالية و لو بصوت منخفض لها تأثير سلبي كبير عليه و لو على المدى الطويل. خاصة عند إسداء نصيحة أو إعادة شرح أو تبيين هفوات و أخطاء فادحة.
 فهذا الكنز الذي جعله الله مفتاح عمل الأستاذ عليه أن ينتبه له و يحافظ عليه و يعمل على صيانته، فالمسيرة طويلة و طويلة، و شاقة و وعرة: الابتعاد عن الماء البارد و الساخن و السوائل المتضمّنة للحموضة و الانتباه عند نهاية الحصة فلا يعرّضه لتغير فجائي كبير في الحرارة.
كما أن الرفع من الصوت لا يفيد في التعليم إلا في حالات و وضعيات محدودة و لفترات قليلة، فتغيير نبرات الصوت و سرعة الإلقاء و استعمال تعابير الوجه وسائل مساعدة في ذلك. كما أن جملا طويلة ملقاة لوهلة واحدة تُفقِدُ التلميذ التركيز و الاستيعاب. فكلمات موزونة قليلة بإلقاء مساعد على التتبع ( أي بتدرج كمن يكتب على ورقة ) لها دور إيجابي في التركيز و الفهم.
و الانفعال العصبي أكثر ما يضر هذا الصوت فكلما تمكن المدرّس من التحكم فيه حافظ على صحته أكثر أما عدد ساعات التدريس اليومية الرسمية و غير الرسمية الصحية معروفة و لا يجب تعدّيها و إلا فالضرر آت لا محالة.

 7بعث الأمل
مفيد كثيرا خاصة في مادة الرياضيات، نصادف تلاميذ وَلَجُوا مستوى معيّن أو شعبة معيّنة ( خاصة شعبة العلوم الرياضية ) ثم يجدون أنفسهم عاجزين عن مسايرة الحصص الدراسية و المقرّر أو مسايرة مستوى باقي التلاميذ أو اليأس من الحصول على المعدل الكافي للنجاح. فيمضون فترات من الشرود و الذهول، و فترات من التشنج و العصبية، و فترات من محاولة إثارة البلبلة، و فترات من السلبية في كل شيء، من الدراسة و مجرياتها بل حتى من جوانب من الحياة في الحالات الصعبة و قد ينقلبون إلى منقطعين عن الدراسة أو مشاغبين ضمنها أو مستسلمين وجودهم كعدمه؛كل ذلك ينتج عنه فقدان الأمل.
 أمام هذه الوضعيات التي قد يصادفها المدرّس في كل سنة دراسية و يجدها واضحة ماثلة أمامه ( إن انتبه لأعراضها ) أن يجد حلا لها و إلا ستؤثِّر على عمله و فعاليته و على باقي التلاميذ الآخرين و على مستوى القسم عموما و هنا يكون لبعث الأمل دور محوري في إنقاذ نسبة مهمة منهم.
* و يكون أولا بالبحث عن مكامن هذا اليأس و عدم القدرة على المسايرة إن استطاع له سبيلا و كان المحاوَر قابلا للحوار، و يكون كذلك في طريقة طرح الفروض المحروسة بحيث يتسع مجال التنقيط و طريقة طرح الأسئلة ليشمل هذه العيّنة فتحصل على بعض النقط و لا يكون الصفر و ما جاوره حليفها دائما.
* و يكون بالإشراك في الحصة الدراسية و إدخالها في مجال الدرس و إنجاز التمارين على السبورة.
* و يكون بالكلمة الطيبة المنفتحة و الابتعاد عن الكلام الجارح المحقّر للكرامة الإنسانية و المنفّر من الدرس و صاحبه و المادة المدرّسة.
* و يكون باحتساب نقط إضافية عند إنجازات جيدة في الحصة الدراسية و لو خارج نطاق الفروض المحروسة.
* و يكون بتنظيم فروض خاصة بمن لم يحصل على المعدل تكون أسئلتها مباشرة و غير مركبة و تعطي الفرصة لتدارك هذا النقص ( وقد جربت ذلك وكان مجديا و أعطى نتائج طيبة).
* و يكون بطول البال و رحابة الصدر في شرح المبهم من الأمور و إعادة الشرح خاصة الأسئلة المتعلقة بتعثرات من السنوات الماضية و تشجيع التلاميذ على طرح الأسئلة عموما.
* كتابة ملاحظات مشجعة و محفزة و باعثة للأمل على أوراق الفروض المنزلية أو على الدفاتر أو بشكل شفهي و هي أمور قد يخالها البعض لا قيمة و لا تأثير لها لكنّ من جرّبها يعلم مقدار تأثيرها و قيمتها الكبيرة لهذا الصنف من التلاميذ.
* التيسير في الشرح و اختيار الأمثلة فجملة " هذا الدرس سهل يتطلب فقط أن ...... " عند بداية التمهيد له هي باعثة للأمل و محفزة للتتبع رغم أنها جملة بسيطة و لا تكلّف المدرس شيئا.
و لن يكون هذا الأمل خداعا أو تغطية عن المستوى الحقيقي للتلميذ بل هو وسيلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و استخراج أحسن ما لديه و مسايرة المقرر الدراسي على الأقل في كلياته الأساسية، و كم كانت كلمات شفهية فيها تشجيع و بعث للثقة حافزا لتفجر طاقات كامنة لم يكن حتى صاحبها يتصور وجودها لديه، فبعث الأمل كفكرة بارزة أمام مُمارِس التدريس تجعله يبحث في أمور كثيرة أخرى مجدية من غير ما ذكرناه حسب ما يُقابله من أحوال و وضعيات التلاميذ و الله الموفّق.

8  ضبط القسم
يتأتى بشخصية المدرّس و أدوات مساعدة على ذلك:
* العدل و قد فصلنا فيه من قبل.
* عدم الإكثار من الضحك و اللغو أو العبوس و تقطيب الجبين و محاولة تجنب الأحاديث الجانبية، و الكلمات الغير مألوفة و المفردات الغريبة أو الساقطة.
 *التعرف على أسماء التلاميذ الشخصية و مناداتهم بها دون الرجوع للوائح و هي تقنية مفيدة و تتأتى في الأسابيع الأولى من السنة الدراسية كما أن التعرف على الغائبين دون اللجوء إلى المناداة على الجميع تعطي انطباعاً جيداً للتلاميذ.
 *الحفاظ على الهدوء و إظهار القدرة على التحكم في الأعصاب و في كل الحوادث الغير متوقعة رغم إمكانية عدم الإحاطة بجميع جوانبها.
* التحكم في المادة المدرسة و الكفاءة في تدريسها، و يمكن تغطية أي نقص في جوانب ذلك بالإعداد القبلي الجيد أو استشارة بعض الأساتذة الآخرين و الاستعانة بتجربتهم. كما أن إعادة الشرح بطرق مختلفة و عدم التغاضي عن اعتراضات التلاميذ و فهم معيقات فهمهم يؤدي إلى تحسين الجودة و الكفاءة و الفعالية.
 *الاستفادة من التجربة الشخصية الإيجابية و السلبية و تمثل وقائع سابقة لمحاكاة الطريقة الناجعة لمعالجتها.
* مجاراة التطور و التحول اللغوي لدى التلاميذ ( فلغة التلاميذ عالم في حد ذاته و سنفصل فيه إن شاء الله فيما بعد ) و طريقة التواصل البيني التي تتغير من جيل لآخر و كذا الإحاطة و لو بشكل عام بالتطورات التقنية المستجدة.
* إنجاح الحصة الدراسية و لو حصلت فيها مشاكل أو معيقات.
* إنجاح عملية حراسة الفرض المحروس و سنفصل في ذلك إن شاء الله فهو مِفْصَل في مصداقية التدريس.
* اعتماد طريقة ذاتية تناسب الممارس للتدريس، فليست هناك وصفة للجميع و إنما لكل ذاتيته و بصمته الخاصة و ما يناسبه للحصول على التوازن الإيجابي المنشود في القسم حسب طبيعته و شخصيته و تكوينه و مادة تدريسه و طريقة تواصله و طبعه الشخصي.

9  معالجة الأخطاء و الأغلاط
تكتنف عملية ممارسة التدريس أخطاء متنوعة و مختلفة لأنها ممارسة إنسانية غير معصومة. هناك أخطاء تفاجئ الأستاذ أثناء الحصة تكون مثلا لغوية أو حسابية أو منهجية أو حتى في صميم الدرس و تراتبيته و هيكلته و قد يكتشفها قبل التلاميذ أو يخبروه هم بها كما أن هناك أخطاء يكتشفها أو يكتشف أثرها بعد الحصة.
 كل هذا يجب أن يتوقع حدوثه الممارس المحترف للتدريس و أن يعتبره حادثا عليه معالجته بشكل سليم و أن يستفيد منه فيما بعد و عليه الاعتراف به و معالجته بشكل واضح دون حرج و لا ضيق و لا شعور بأي مركّب نقص، و لا يعتبره انتقاصا من مكانته بل يقوم بتصحيحه و لو في حصة موالية، ففي ذلك تكون مصداقيته على المحكّ. فالهروب منه أو التهرب منه أو مداراته أو التوتر نحوه أمورٌ يفهمها التلاميذ جيدا، و لا تخفى عليهم، و عنها يبحثون. بينما التعاطي بمصداقية و وضوح و صراحة يعطي لكلمة الأستاذ مصداقية كبيرة؛ و هنا يحضرني ما قامت به إحدى شركات السيارات العالمية بالاعتراف بأعطاب موجودة في أحد أجزاء نوع من السيارات و قامت بسحبها من الأسواق رغم أن ذلك سيجر عليها خسائر ظرفية لكن مصداقية الشركة و ثقة الزبناء بها ازدادت بل حتى المبيعات على المدى المتوسط زادت.
كما أن الصدق أمانة على عاتق الممارس عليه أن يستحضرها و يعتبر إخفاء الخطأ و التعمية عليه انتقاصا من هذه الأمانة و عدم القيام بها كما يجب. أما أخطاء التعامل بين الطرفين فسنفصل فيها فيما بعد إن شاء الله.كذلك أخطاء التعلم ففيها يطول الكلام و سنخصص لها مقالا و مقاما خاصا إن شاء الله.

10  صحة الأستاذ
تحدثنا في مقال سابق عن صوت الأستاذ كأداة تستهلك من صحته، لكن على مدى المسار المهني هناك أجهزة كثيرة أخرى من جسم الممارس للتدريس تستهلك و تستنفذ بالتدريج، و ربما دون إدراك مناسب منه.
فحواس كالبصر و السمع و الشم تأخذ طريقها للضعف التدريجي و الاستعمال المفرط، كما أن أمراضا أخرى معروفة لدى أسرة التعليم مرتبطة بالوقوف الطويل أو الجلوس الطويل.
أما الجهاز العصبي فهو تحت ضغط التوتر و القلق و الحزن و الحسرة و الحيرة و الفرح و الاندفاع و التخوف و الإرهاق و غيرها من العوامل اليومية التي يقع تحت طائلتها الممارس الحيّ للتدريس.
إن ممارسة التدريس تأخذ عقودا من عمر صاحبها و قد يدخلها في زهرة شبابه و صحته لا يأبه لشيء و قد لا ينتبه لما أوضحناه أعلاه. و هناك وصية مألوفة تقول: " وفّر شيئا من الجهد و الصحة لتلاميذ الأربعين و تلاميذ الخمسين و تلاميذ الستين و الباقي للتقاعد ".
 فالمسيرة طويلة و استحضار ما ذكرناه سابقا مهم للتعامل مع الصحة و الجسد بقصد و اتزان و حكمة، دون الاندفاع الحماسي المتهور و دون التقاعس عن أداة أمانة المهنة و تكاليفها و الله الموفّق.
ذ توفيق بنعمرو - أستاذ الرياضيات بالثانوي التأهيلي
تجمع الأساتذة - تربية ماروك

مصدر الموضوع: هنــا

08‏/04‏/2014

بعض المذكرات الوزارية الصادرة عن وزارة التربية الوطنية سنة 2002

فيما يلي بعض المذكرات الوزارية الصادرة عن وزارة التربية الوطنية سنة 2002: