19‏/08‏/2015

التجديد في الفكر التربوي

محمد نجي 
        يبدو من خلال سيولة المعرفة التربوية التي تتناولها المنابر الإعلامية و الدوريات المختصة  و التوجيهات الرسمية، أن التجديد في الفكر التربوي في المغرب بات حقلا معرفيا  يشغل جميع مكونات المجتمع  بمختلف مستوياته (– مخططو السياسة التعليمية – الباحثون -  المربون -  المجتمع المدني -  الآباء)  ذلك أن إشكالية التربية كفعل و كمشروع مجتمعي  بكونه  يطمح إلى التنشئة الاجتماعية على قيم المواطنة، التنمية المعرفية و التمكين بالكفايات سلوكيا، قيميا  ووجدانيا، يتغذى من هذا  التجديد  و يستلهم منه منطلقاته و أسسه العامة و الخاصة. فسياق الحديث عن التجديد -  في  الوقت الراهن -  في الفكر التربوي المغربي  يلزم الحديث معه عن الشروط القبلية و البعدية التي تحكم الانتقال من تصور تربوي سابق إلى نموذج لاحق وواعد. ففي الآونة الأخيرة، انتقلت المنظومة التربوية المغربية من التصور البيداغوجي الذي يعتمد  التدريس بالأهداف ذي النزعة السلوكية كمرجعية نظرية و فلسفية ( التوجه النفعي ) إلى نموذج  التدريس بالكفايات الذي يستلهم الباراديكم -  النموذج -  المعرفي ( نظام معالجة المعلومات )  كأساس نظري. مما يفرض طرح جملة من التساؤلات حول طبيعة، أهداف و آفاق هذا "التحول" البيداغوجي. من جهة ثانية انتقل التدبير الإداري من مستوى مركزية القرار و عموديته إلى مستوى التدبير التشاركي المبني على خصوصية المجال، على الحكامة المحلية و على  مفهوم الحياة المدرسية . بالإضافة إلى الانتقال من معطى المحتوى الموحد إلى تعدد المنهاج  الذي يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية المحلية. و يمكن تلخيص دواعي هذا التجديد في العناصر الآتية :    
1 /  الترويج  لمقولات (  النظام العالمي الجديد - عولمة -  حقوق الإنسان – حوار الحضارات – نبذ العنف    ........) و ما فرضه هذا التوجه من إعادة في رسم الخريطة الجيو- السياسية العالمية  و الأنظمة المعرفية و القيم الإنسانية- المتأثرة بالأبحاث الفلسفية  المتحولة بشكل متناغم مع نقط الانعطاف في المسارات الفكرية  التي تخضع لسيرورة المجازوة :   الانتقال من الفكر الفلسفي الحديث إلى  نماذج الفلسفة المعاصرة بمناهجها الخاصة ( حفريات –  جينيالوجيا – ابستيمولجيا – استذكار –  تفكيكية......  )  هذا التوجه التاريخي المعاصر  في الفكر الفلسفي، ترتب عنه ميلاد و  بناء تصورات و قناعات جديدة في المواقف تجاه الإنسان تهدف إلى بناء أشكال من الحوار الحضاري-  بدل الصدام -   الهادف إلى احترام الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للكائن الإنساني باعتباره  مصدرا للمعرفة،  سيدا على الطبيعة بفضل طاقات التقنية التي منحته السيادة على بنيات الطبيعة في عمق أصغر عناصرها  و هي الذرة.  ولكن هذا  الفتح العلمي  نتج عنه احتمال أن ينتقل الإنسان مستقبلا  من سيد على المنتجات العلمية  إلى مسود تتحكم في مصيره أسرار التقنية و تهدد وجوده.  على اعتبار أن سيطرة الإنسان على بعض المنتجات التقنية أصبح يتجاوز إمكانيات الاحتواء. و من أبرز الأخطار الواردة خطر السلاح النووي و ما يخبئه من مفاجآت داخل أروقة المفاعلات و المختبرات الكامنة. من هنا تظهر الرغبة في الحد من انتشار مثل هذا السلاح سواء من طرف بعض المنظمات التي تسعى إلى الحفاظ على البيئة أو من طرف بعض الجهات التي تخشى من فقدان التوازن الأمني في العالم.  لذا نجدها تمرر خطابات الوصاية على الإنسان باسم الأمن القومي  أو السلم العالمي.  و هذا ما يدفع دعاة هذا الترويج إلى إعادة النظر في السياسة التعليمية لبعض الدول لجعلها بعيدة عن كل تأثير أو تمكين من شأنه أن يفضيا إلى امتلاك القدرة على استعمال غير سلمي للطاقة الكامنة للذرة.  كما أن إرهاصات اللاتوازن  الاقتصادي و الاجتماعي بين الجماعات البشرية يعد أحد سمات القرن الواحد و العشرين نظرا للمد العولمي الكاسح. مما يؤدي إلى خلل على  مستوى العلاقات البشرية و يعيق بذلك كل محاولة تهدف إلى مجاوزة التخلف التربوي.                         
2 /  ظهور الحاجة إلى جعل  المؤسسة  التعليمية المغربية تساير هذه التحولات التي يعرفها المشهد العالمي  من جهة و على مستوى الحاجة إلى  أداء وظيفتها وطنيا و  المتمثلة  في ضخ سوق الشغل  بالأطر المؤهلة  و  تجديد النخب و الطاقات المنتجة للمعرفة التي تستجيب للتغيرات التي يعرفها المشهد  المغربي. لقد ثبت بالملموس و من خلال الأبحاث الأكاديمية و الجامعية  أن الفعل التربوي المغربي بات في حاجة إلى أن  يتأسس على منظومة تربوية فاعلة منفتحة على معطيات و متغيرات المشهد المجتمعي المنشود. بذلك فهي في وضع يجب أن تستجيب لإشكالية المواصفات التي ينبغي أن تتوفر في مفهوم "المواطن الصالح." آنيا و مستقبليا. بمعنى أن المنظومة التربوية  في المغرب عليها أن تمتلك  زمنها الذاتي الثقافي  الأصيل. و هذا الزمن يفترض فيه أن يستقي أثره من الزمن الثقافي و الفكري للسياق المجتمعي المأمول من خلال إدراك كيفيات بنائه  و ميكانيزمات التحول فيه بهدف التأسيس لمشروع تربوي واعد يستقي أسسه المنهجية من فلسفة علوم التربية التي من شأنها أن تؤطر كل تنظير تربوي يعتمد العلمية و الموضوعية في الدراسة تأطيرا تاريخيا. هذه المتغيرات و الحقائق تستوجب  ضرورة العمل على صياغة مشروع تجديد  المنظومة تربوية  في أفق  تحقيق جودة التعليم بشكل مستمر. إن الضرورة المنهجية تفرض،  كي نطور إشكالية البحث في التجديد التربوي، المرور من محطة تحديد معنى التجديد التربوي مع التنبيه على عدم الدخول في متاهات التعاريف المتباينة التي تحكمها مقاربات عديدة. لذا سوف نعفي أنفسنا من هذا المجهود. لذلك  سوف نقتصر على تصور لفيليب بيرينو كما ساقه محمد بوبكري في أحد مقالاته المنشورة في مجلة عالم التربية العدد 14 و هو المعنى الذي يفيد إصلاح التعليم. و يمكن الإشارة إلى خصائص مدخل التجديد من منطلق هذه المقاربة كما يلي :     
  • الإصلاحات الحقيقية و هي التي ترتكز على أسبقيات جديدة تغير بشكل حاسم غايات المؤسسة المدرسية و سيرها و نشاطها و قد يتجسد ذلك في سن قوانين جديدة تغير أهداف التعليم و مبادئه . أو تدخل مواد دراسية جديدة أو تغير نظام الامتحانات. و يضيف  الباحث محمد بوبكري أن الإصلاح التربوي يجب أن يفيد و أن يعبر عن التحول الكبير الذي يطرأ على مشروع المؤسسة التعليمية من خلال تغيير النظرة للإنسان الذي نريد تكوينه و المجتمع الذي نسعى إلى  بنائه.     
  • التقدم  و هو يفيد معالجة المشكلات التي تدخل ضمن اختصاص مهمتها كمحاربة الأمية و إتقان اللغات الأجنبية. و يرتبط التقدم بتحسين الأداء. 
  • التحديث الذي يعني تحسين أنماط التدبير و أساليبه و تجديد المعارف و الوسائل الموضوعة رهن إشارة المؤسسة التربوية و الفاعلين التربويين و القابلة للتوظيف من قبلهما.

الملاحظ أن هذه المداخل تتكامل فيما بينها بالشكل الذي يجعل مقاربة إشكالية التجديد في الفكر التربوي عملية مركبة يتداخل فيها البعد الإنساني بالبعد المادي. فالعملية التربوية و التكوينية  تتم من خلال الاعتماد على خدمات الموارد البشرية التي تشتغل من أجل تحقيق استجابة مطلوبة للفئات المستهدفة من العملية التربوية مستعينة بالوسائط المادية. و مما لا شك فيه أن جودة التعليم و التكوين في الزمن التربوي المعاصر أصبح يقاس الآن ، كميا و كيفيا، بمدى استجابة المؤسسة التعليمية للحاجيات المعرفية و الوجدانية و الاقتصادية و الاجتماعية للفئة المستهدفة بالشكل الذي يضمن لها شروط الاندماج المعرفي، الاجتماعي و الاقتصادي في ذات الآن. فلم يعد الأمر يتعلق،  من أجل الحديث عن التجديد، يكمن فقط في استبدال مقرر دراسي بآخر أو بإدخال منهجية جديدة بغير وعي  كي تعوض أخرى قديمة. كما أن التجديد لا يفيد فقط إدخال نظام أساسي كي يحل محل نظام سابق. إن التجديد الذي يجب أن نتوخاه بقناعة راسخة هو ذلك التصور الذي يضمن للمؤسسة التعليمية جميع الشروط القبلية و البعدية على مستوى الممارسة التربوية. و من هذه الشروط القبلية ضرورة امتلاك رؤية منفتحة عن الإنسان " النموذج" الذي نسعى إلى تكوينه مع ضرورة توفير آليات التكوين البيداغوجية و التدريسية الملائمة مع تلك الرؤية القبلية. لا شك أن المدرسة المغربية من خلال الميثاق الوطني للتربية و التكوين تسعى إلى تكوين المواطن الصالح بصفات خاصة (ينطلق إصلاح نظام التربية والتكوين من جعل المتعلم بوجه عام, والطفل على الأخص, في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال  العملية التربوية التكوينية. وذلك بتوفير الشروط وفتح السبل أمام أطفال المغرب ليصقلوا ملكاتهم, ويكونون متفتحين مؤهلين وقادرين على التعلم مدى الحياة. ) و تحقيقا لذلك فإن التجديد التربوي  أضحى في أمس الحاجة إلى اعتماد  مقاربة تاريخية بكل ما يحمله مفهوم التاريخ من معاني التحليل، إعادة القراءة الواعية ومن معنى   التطور المنفتح باستمرار على معطيات الواقع غير المستقرة. . لقد أصبح من باب المسلمات أن كل ممارسة لا تنبني على مرجعية تاريخية في المعنى الذي ترتبط بعاملية النفي و المجاوزة لكل ممارسة  تربوية تبين قصورها و تقادمها، هي ممارسة عديمة الفعالية و الجدوى.   و في هذا الصدد يقول إ. لاكاتوش «   فلسفة العلم بدون تاريخه خواء . و تاريخ العلم بدون فلسفته عماء » من جهة أخرى، يرى يوسف تيبس أن العلم ينفي ذاته و هو يسير نحو التجدد و التقدم ، عن طريق تبديل صيغه. و يشبه الباحث نفسه هذه الصيرورة بالثعبان الذي يخلع عن نفسه "جلبابه" كلما آن أوان ذلك. إن التجديد التربوي  كي يضمن لنفسه فرص تحقيق غاياته عليه أن يستقي مرجعياته النظرية و التطبيقية من  مادة التاريخ التربوي على منوال المسألة التاريخية في العلوم ككل. فعكس التصور الوضعي الذي ينبني على الصرامة، الصدق و الموضوعية الدقيقة ، يتبنى كارل بوبر منطق الكشف العلمي الذي يتأسس على التقدم في المعرفة العلمية. 

من جهة أخرى يشير باشلار إلى أن تاريخ العلوم يوصف على أنه تاريخ لتقدم المعرفة. انطلاقا من هذه المعطيات، يمكن أن ندرس واقع التجديد التربوي وفق منهج مقارن. فتطور العلم و انفتاحه المستمر من منطلق التحديد المشار إليه سابقا، يدعو إلى  نهج استراتيجية مشابهة عندما يتعلق الأمر بالتأمل في  موضوع التجديد في الفكر التربوي. فالتأريخ للتجديد التربوي يعد مدخلا مهما و محطة أولى في صياغة كل مشروع تربوي جديد. كما أن الضرورة المنهجية  التي يفرضها بشكل مستمر التحول  الذي  يلحق  الأنظمة المعرفية  في مختلف شعبها سواء باعتبارها مادة معرفية  ناتجة  أو باعتبارها  صيرورة  و استراتيجية في الاكتساب، تدفع إلى نهج مثل هذه المقاربة التاريخية  «   ومن ثم فإن  الإيمان بفكرة التقدم هو إيمان بتاريخية المعرفة العلمية، أي بالوعي بقيمة التاريخ في فلسفة العلم . و حيث إن منطق العلم هو الكشف و الإبداع المتتالي و السير نحو أفضل النظريات بناء على معيار الإبطال، فإن هذا الأخير يتحول إلى محرك لتاريخ العلوم حسب بوبر ( عالم المعرفة – المجلد 35 /2006 ص 254. بهذا فإن  تاريخ المعرفة في المعنى الذي يفيد التطور و التجديد المستمرين ، يؤكد أن  المعارف تخضع لمقاس التطور و التلاقح و المجاوزة موضوعا و منهجا. إذن واقع حال التجديد في الفكر التربوي لا يمكن فصله عن هذه الضرورة المنهجية التاريخية للعلوم إنسانية كانت أو دقيقة على اعتبار أن  تطور العلم يؤدي إلى ظهور مواضيع و  مناهج مستجدة  على مستوى البحث العلمي  مما يفرض اعتماد  منهجيات جديدة في البحث. و لن نقوم بتطوير هذه المنهجيات و الاستراتيجيات الجديدة إلا ببحث تربوي  يتجاوز التثاقف المبني على القسرية و الهيمنة و استيراد المناهج من جهة و يتجاوز أيضا الركون إلى الأساليب التقليدية في التربية الموروثة . و بهذا يظهر أنه من الضرورة بناء مشروع التجديد التربوي على مقاربات  معاصرة تأخذ ظرفية و سياق المنظومة التربوية المحلية  بعين الاعتبار. يبقى الإشكال المطروح متمثلا   حسب التربويان Fullan & Miles (1992) في أن  الأنظمة التعليمية محملة بمشكلات مما يطرح تحديات حقيقية أثناء محاولة إدخال استراتيجية التجديد التربوي.  وحتى قصص النجاح القليلة التي تُروى في هذا الشأن تتحدث عن إنجازات تعليمية لا تتجاوز أن تكون مجرد جيوب منعزلة من الإبداع، قابلة للنمو والامتداد أو الضمور والانحسار. و يسجل الدكتور د. عبد العزيز بن سعود العمر من جهته  أن هذه الإشكالية ، ليست في قلة خطط التجديد والتطوير بل إنها في هذا الكم الكثير من محاولات التغيير المتناثرة والسريعة الانطفاء. وعليه، فإن السؤال الذي أصبحت الإجابة عنه أكثر إلحاحاً هو: لماذا تخفق بعض محاولات التطوير والتجديد؟ 
محاولا الإجابة عن هذا التساؤل يرى الباحث،   ضرورة الإشارة إلى مقولة لـ Bass بشأن التجديد التربوي.. «إن المجددين الحقيقيين هم أولئك الذين يقفون يومياً على خط إطلاق النار، ومعهم أولياء أمور ورجال أعمال يثمنون الدور الذي تؤديه المدرسة، ويعتبرون أنفسهم شركاء حقيقيين في مشروع الوطن التعليمي» و يضيف كيف يرى معلمونا إمكانية حدوث التجديد؟ مجيبا عن هذا الطرح يقول الباحث 
«  إنهم أي المعلمين يعتقدون أن التجديد لن يحدث ما لم يتحقق ما يلي: تخفيض نصاب المعلم إلى (20) أو (18) حصة، تخفيض عدد طلاب الفصل إلى (25) طالباً، تفعيل مشاركة أولياء الأمور بحيث لا ينتهي دورهم عند إيصال أبنائهم إلى عتبة باب المدرسة، وأخيراً، إنفاق مزيد من المال على المدارس، ودون الدخول في مناقشة رؤية المعلمين تلك، فإنه يبقى أمر ملاحظ هو أن المعلمين نادراً ما يأخذون موقفاً دفاعياً عن التعليم، بل إنهم -للأسف- يميلون إلى التقليل من إنجازاته، ألم يقل (باس): "بأن التعليم تاريخ من الشكاوى والتذمر"    

 من جهة أخرى يرى الباحث أنه من أهم أسباب إخفاق كثير من جهود التجديد التربوي أن الحلول التي نبحث عنها ليست سهلة المنال، وفي بعض الحالات ليست معروفة. كما أن  تجديد النظام التعليمي في السنوات الأخيرة أصبح غاية في التعقيد لانه يطمح إلى إدخال تغييرات على المنظومة التربوية على المستويات الآتية : 
  • تغير شامل في طبيعة أهداف التعليم.
  •  تغير في القدرات والإمكانات المطلوبة من الأفراد والمؤسسات لتحقيق عملية  التجديد. 
  • ضرورة تبني  منهجاً يقر بأنه ليس بالضرورة أن نعرف أو نحقق كل الحلول التي نحلم بها، الأمر الذي يُبقي على استمرار التزامنا قوياً نحو التجديد مهما كانت الظروف التي يمر بها النظام التعليمي (تخوف، ترقب، يأس.. إلخ). 
  • الالتزام نحو التجديد باعتباره  أمرا مطلوبا خصوصاً إذا علمنا أن التجديد في النظام التعليمي يعتبر عملية تراكمية مستمرة  (processus)  وليس حدثاً  (Event) ينتظر الناس وقوعه في يوم ما.

 في مقابل ذلك ، يرى الباحث أن  أدبيات التغيير عند  الإدارة أو الجهة التعليمية قد تتبنى مشروعات تجديد تربوية لأغراض نفعية ضيقة بدلاً من البحث عن حل عملي لمشكلات بعينها. هذه التجديدات المظهرية تحضر معها عادة مصادر إضافية   لم تكن تستخدم بالضرورة للهدف المقصود لتعطي انطباعاً بأن إجراءات قد اتخذت سواء تم متابعتها أم لم يتم.  الشيء الذي يضيع معه كل جهد تجديدي مهما كانت الإمكانيات المادية و البشرية التي تم استثمارها. ففي غياب استراتيجية تجديدية واضحة المعالم و الغايات البعيدة المدى، تبقى  الرموز والشعارات  و إن كانت ضرورية  لتحقيق النجاح،  جوهرية في بلورة الصورة  وجذب اهتمام مصادر القوى السياسية والمالية، تبقى أي هذه الشعارات بعيدة كل البعد عن جوهر الاصلاح و التجديد التربوي المنفتح باستمرار على القضايا المطروحة.  
  و يرى الدكتور  عبد العزيز بن سعود العمر من جهة أخرى أن جهود الإصلاح  تخفق أحياناً   لأن بعض القيادات التربوية تفضل الشعار على المُنتَج نفسه. فهو يرى أن التغييرات الحقيقية تتطلب عملاً شاقاً وذكياً على أرض الواقع، وهو ما قد لا يكون في بؤرة اهتمام تلك القيادات . في هذا الصدد، يكشف أنه  في الغالب ترتبط التغييرات الرمزية عادة بالاحتفالات والطقوس التي يؤديها يومياً أفراد المدرسة، علماً بأنه ليس بالضرورة أن تكون التغييرات الرمزية خالية من المحتوى. وعلى الرغم من أن التغييرات لا تكون فاعلة إذا لم ترافقها رموز وشعارات فإنه من الممكن أن يتدثر التجديد التربوي بشعارات دون أن يحمل تغييراً حقيقياً يذكر. و هكذا تخفق جهود التجديد التربوي أحياناً؛ لأن ما يبذل من محاولات لحل مشكلاته هي محاولات في غالبها ظاهرية، وأحياناً مصطنعة (1992 Fullan & miles ) والحلول السطحية تظهر غالباً في وقت الأزمات لتجعل الموقف أكثر تعقيداً، وتحدث الكارثة عندما نتصدى لمشكلات كبيرة ومهمة بمثل هذا النوع من الحلول. والتجديد في الهياكل و البنى التنظيمية يكون عادة أكثر عرضة للحلول السطحية.  وتعتبر الموضة والتقليد المبتور الهوية من أسوأ المشكلات المصاحبة للتجديد التربوي. فأحياناً تجري المؤسسات التعليمية تجديداً مجاراة لغيرها (دون قناعة منها) أو استجابة لضغوط خارجية تأتي من أفراد أو جهات تحاول الاستفادة من مكاسب التجديد. وفي مثل تلك الظروف تظهر الحلول السطحية، وحتى عندما تكون تلك الحلول ناجحة فإن تنفيذها المتعجل غير المدروس يؤدي إلى فشلها. فمسألة تجديد المنظومة التربوية  أعقد مما نتصور. فكيف يمكن المراهنة على منهج فارغ المنطلقات و الأسس ينبني على شعارات  غالبا ما تكون مزيفة، من أجل الحديث عن تجديد حقيقي ( و الحقيقي هنا نعطيه دلالة هايدغر لمفهوم الحقيقي :   الحقيقي هو ما يظل منفتحا ) إن التجديد الذي يجب أن ننشده الآن هو تجديد طموح  من الضرورة أن يكون منفتحا على الوجود التربوي المغربي بهدف تحقيق نوع من المجاوزة بكل ما يتضمنه المفهوم من مراقي الفهم،  التحليل، التركيب لمنظومتنا التربوية. بهذا المنهج الفلسفي يمكن أن  نكون بصدد  الحديث  عن شروط  استدماج  التنمية المعرفية التربوية لدى المهتم ضمن صيرورة البحث في الفكر التربوي بالمغرب. و هذه المجاوزة  يجب أن تبحث  في موضوع، منطلقات و أهداف التربية  و غاياتها من جهة  و في ظروف ممارسة فعل التربية و التكوين من جهة ثانية.  فإذا كانت المستجدات التربوية تنبني الآن على أساس بيداغوجي يستلهم الباراديكم المعرفي الذي يتأسس على مقولات الاشتغال الذهني المعرفي و هذه  واحدة  من الضرورات للحديث عن اللبنة الأولى على مستوى  بناء موقف  تاريخي تجاه القضايا المرتبطة بالمنظومة التربوية نظرا للخصائص المنهجية  التي ينطلق منها هذا النموذج البيداغوجي المنفتح على الإمكانيات الذاتية و المباشرة للمتعلم و المدرس على السواء.  و إذا كان  خيار انفتاح المدرسة على المحيط الداخلي و الخارجي للمتعلم ، يشكل لبنة ثانية في المسيرة التاريخية للتجديد التربوي . و على اعتبار أن التربية أصبح ينظر  إليها من لدن الميثاق الوطني للتربية و التكوين،  كملحمة ينخرط فيها كافة الشركاء من أجل تحديد رؤى جماعية و مشتركة  تجاه مصير و مستقبل الأبناء. فان هذه المعطيات مجتمعة قادرة على وضع قاطرة الإصلاح و التجديد التربويين على سكة المنهج التاريخي التربوي الذي سوف يغذي المنظومة التربوية بكافة الشروط الموضوعية الكفيلة بتحقيق التنمية التربوية المنشودة. بذلك سوف        تسعى جهود التجديد إلى رد الاعتبار للتمثل الإيجابي  تجاه المؤسسة التعليمية العمومية من أجل إدراك دورها الحضاري و المعرفي مستقبلا . إن تحقيق الضرورات السابقة ستبقى بعيدة المنال في غياب الموارد البشرية الكفأة على جميع المداخل. فكيف يمكن الاطمئنان لخطاب تجديد تربوي  مازال لم يحقق الاكتفاء الذاتي من الموارد البشرية من جهة و مازال لم يحقق الاستثمار الجيد لهذه الموارد التي كلفت إمكانيات مادية مهمة من الناتج الوطني الخام. فلا يعقل أن نرفع شعار الجودة كما كشف عنه سابقا  الدكتور عبد العزيز بن سعود و المؤسسة التعليمية تعاني فقر الموارد البشرية و المادية. من جهة أخرى، نتساءل من منطلق منهج المجازوة : كيف نجيز لذاتنا الحديث عن الجودة و التنمية المعرفية باعتبارهما مدخلين سوف نراهن عليهما لتحقيق مشروع التنمية البشرية و المؤسسة التعليمية مازالت ترجع إلى منطق التخطيط الصوري – الخريطة المدرسية – كي تتخذ قرارات حاسمة تمس مستقبل النشء ؟  فواقع حال المؤسسة التعليمية يسجل بنوع من الامتعاض و اليأس   ظاهرة الانتقال الميكانيكي  من المستوى الابتدائي إلى  الإعدادي – الثانوي ثم بعده الثانوي – التأهيلي. فالنجاح يمنح هدية بعيدا عن منطق الاستحقاق.      ف"النجاح"  لم يعد مقياسا يعكس الجودة  و الكفاءة في نظر المتتبع للشأن التعليمي في المغرب. فكيف يمكن و الحالة هذه إمكانية الحديث عن دور معرفي و حضاري  مرتقب للمدرسة المغربية تأخذ بعين الاعتبار طموحات بعيدة المدى على مستوى اكتساب المعرفة في أفق تكوين نخب تأخذ على عاتقها  الانخراط في بناء معرفة متجددة؟ 
 هناك من يرى أن من أسباب العوز المعرفي و المأزق المنهجي الذي تعيشه المنظومة التعليمية المغربية راهنا يرجع بالأساس و في جزء منه إلى ربط  الترقي في أسلاك التعليم بالاندماج  بسوق الشغل دون التفكير في الانخراط في منظومة البحث المعرفي. و هذا يشكل أحد  معيقات الحديث عن تنمية معرفية حقيقية داخل المنظومة التربوية المغربية. و ترجع ظاهرة الربط الميكانيكي بين التعليم و التشغيل إلى موقف المجتمع من الإنسان بحيث يرى فيه قيمة رمزية يعوض الآباء الحاجة النفسية بحيث يحمل اسم الأسرة و يجسد لهم امتدادا عرقيا. لما سوف تحظى به الأسرة من  مكانة  كلما أصبح  فيها طفل راشد يحمل لقب سامي للوظيفة أو الإطار الذي ينتمي إليه.  فبالقناعة الرمزية تجاه الطفل تستمر دورة حياة الأسرة. تنضاف لهذه القيمة القيمة الاقتصادية حيث يتم إنجاب  الطفل من منطلق هذا الموقف  « لمنفعة و تمويل ذاته و أسرته الخاصة عند الرشد أو لمجتمعه بتشغيل الحياة المحلية و ما يلزمها من مهن ووظائف خدماتية و إنتاجية مباشرة .... أو بالعمل في الخارج كنوع من الثروة البشرية للاقتصاد الوطني »  محمد حامد زياد حمدان المرجع أزمة التربية في البلدان النامية.                      
إن هذا التوجه ذي الأفق الضيق و المتمثل في ربط المشروع التربوي بعالم الشغل، يعد أحد مظاهر أزمة التربية في البلدان النامية. و لا يفصل الباحث  زياد حمدان هذه النظرة تجاه قيمة الطفل عن السياق الاجتماعي و الاقتصادي  الذي تعيشه الأسرة في العالم العربي. فهو في مقارنة بين وضع الأسرة العربية و الأسرة الغربية يسجل ما يلي :
  • الأسرة الغربية لا تعاني مشاكل و حاجات في معاشها فهي إما عاملة منتجة أو مكفولة  اجتماعيا و صحيا من طرف الدولة. فهذه الأسرة لا تنظر  إلى الطفل  كمشروع سوف يعيلها مستقبلا. 
  • بالنظر إلى كون العامل المادي هو الذي يتحدد في الزواج أو  الإنجاب  فان الأسرة الغربية تدرس كل المعطيات المادية المترتبة عن اتخاذ قرار الإنجاب. فالإنجاب عند الأسرة الغربية لا ينظر إليه كمشروع اقتصادي أو رمزي بل كمشروع إنساني  بحيث تعمل الأسرة الغربية على تأمين  المستقبل المعرفي للطفل.  من هنا  نجد قلة الإنجاب و الاكتفاء بالطفل الواحد. بينما نجد الأسرة النامية بكثرة الأبناء يضيع الجهد التعليمي  بل و ينعدم في أسوئ الأحوال.

و قد تناول  الأستاذ الدكتور الغالي احرشاو  مسألة الفكر التربوي في المجتمعات العربية بالخصوص مبرزا اكراهات الواقع و مطامح المستقبل. و هكذا نجده يقارب هذه المسألة  من خلال دعامات  و رهانات  متعددة و  نقدمها موجزة على الشكل الآتي :  
  • يرى الدكتور الغالي أحرشاو في هذا الصدد ضرورة توفير مجموعة من الشروط الموضوعية للإرساء دعائم  و أسس المشروع التربوي العربي منها :  
  • تحقيق العدل التربوي عبر توفير فرص متكافئة و حد أدنى من التعليم و بدرجة واحدة من الجودة تمكن الفئة المتمدرسة من تربية أساسية تجعل منهم  أفرادا متزنين، متمرسين و  شغوفين بالعلم و المعرفة، يتسمون بالمبادرة الذاتية الإيجابية و التنافس الشريف.
  •  ربط الغاية الكبرى للفكر التربوي المأمول بطرق تنمية الكفايات العالية و تنمية المهارات الخلاقة. فجوهر الفكر  التربوي هو الذي يقوي قدرات الاستيعاب و الوعي بمستلزمات الحياة المعاصرة 
  • اعتبار الارتقاء بالذهنية التربوية العربية من طابعها الساذج إلى مستواها العلمي هو أساس كل رهان تربوي هادف. و في هذا الصدد  يتساءل أحد الفلاسفة " و هل يمكن تحقيق نهضة بدون سلاح العقل و العقلانية و هل يمكن تحقيق نهضة بدون عقل ناهض "  لذا و  منه ينبغي أن نعمل على توفير و تحسين الوسائل البيداغوجية و الموارد البشرية مع ضرورة تنمية محيط المتعلم الأسري و الاجتماعي العام. 
  • الدعوة الصريحة إلى ضرورة الوعي التام بأهمية الاهتمام بالفكر التربوي بحثا ن تلقينا و ممارسة. لكن ليس بحث عن مستقبل هذا الفكر في كتب الماضي و إنجازاته الخالدة أو الاعتقاد أن إنجاب الأنظمة الفكرية التربوية هي من نصيب الدول المتقدمة. 
  • ضرورة اعتماد المقاربة الجماعية في بناء مشروع تربوي تكون فيه التربية فعل المؤسسات و المبادرات الجماعية. ( المرجع – العلم  و الثقافة و التربية – رهانات استراتيجية التنمية ص 89 -  90- 91 )

من جهة أخرى ، يراهن الدكتور الغالي أحرشاو على الرهانات التالية في مسألة الفكر التربوي العربي
  • رهان التحديث :   و يقصد به الباحث التسلح بالثورة العلمية و منطقها الإبتكاري من جهة ثم تحديث المجتمع في بنياته الثقافية و أساليبه التربوية من جهة ثانية. و يسجل الباحث الاختلاف القائم بين تيار الأصالة الذي يربط  الفكر التربوي بالماضي الحافل بتراث تربوي خالد.   و  تيار المعاصرة الذي يركن إلى تقليد التربية الغربية جملة و تفصيلا.  و بين هذا التيار و ذاك ، يتوخى الباحث مقاربة مزدوجة تتأسس على عدم التضحية بالجوانب الإيجابية المشعة من التراث الفكري التربوي. 
  • رهان مؤسساتي : و يلخص الباحث مقومات هذا الرهان في كون التربية  شأن جماعي لم تعد مسألة فرد أو مبادرات شخصية. فبواسطة هذه المقاربة يمكن في نظره أن نحقق مجاوزة توجه المحاكاة و الاستهلاك نحو توجه الابتكار و الإنتاج.
  • رهان علمي :   يرتبط هذا الرهان بالنقاش حول مستقبل التربية على مستوى الحسم في اتخاذ المعرفة المتعلقة بالمحيط الطبيعي للإنسان العربي كهدف أول لكل فكر تربوي مرتقب. بالإضافة إلى الاهتمام الجذري بعلوم التربية بحثا و تلقينا و ممارسة. و يؤكد الباحث في نفس السياق انه من العبث  « أن نبحث عن مستقبل هذه العلوم بين ثنايا كتب الماضي  و إنجازاته التربوية  الخالدة  أو الاعتقاد بأن إنجاب مربين كبار في الماضي يعني ضمنيا إنجاب أمثالهم في المستقبل أو أن الأنظمة المعرفية التربوية الفعلية هي كلها اليوم من نصيب الدول المتقدمة. و يخلص الباحث في معرض حديثه عن هذا الرهان إلى ضرورة الانفتاح على المنظومات التربوية الغربية مع التأكيد على أمل تحقيق نبوغ عربي في الفكر التربوي يكون قادرا على تكوين الفرد،  إعداده ،  اندماجه و توازنه في أفق استثمار كفاءاته و مهاراته. 
  • رهان إنتاجي :  لا يفصل الدكتور الغالي أحرشاو واقع البحث في الفكر التربوي عن واقع التجربة السيكولوجية في الوطن العربي. فهو يرى أن واقع الفكر التربوي العربي ما فتئ يستورد أنظمة تربوية غربية مثل ما يستورد النماذج السيكولوجية و هذا الاستيراد يتم في نسقية ميكانيكية لا تعمل على دراسة مرجعيات و نزعات هذه الأنظمة المعرفية التربوية و النفسية. و يسجل الباحث أن هذا الشكل من التعامل يولد ذهنية تواكلية تركن للجاهزية  و يمهد للهيمنة الغربية و يدعمها بالنظر إلى الإمكانيات المتاحة لها  بواسطة الثورة الإعلامية  مما سمح بعولمة المقومات الأساسية للفكر التربوي الغربي. 
  • رهان محلي كوني :   ضمن هذا الرهان يتطلع الباحث إلى ضرورة تبني تخطيط استراتيجي يجاوز  مسألة الاكتفاء بالانبهار تجاه  الأنظمة التربوية  الدخلية و يدعو في سياق هذه المجاوزة إلى امتلاك روح التفكير العلمي المنتج و المحكوم بمنطق التدبير الممنهج. و من مقومات هذه المجاوزة في نظر الباحث المزواجة بين ما هو ذاتي-  محلي و ما هو إنساني -  كوني.                                                                     

   من منطلق المقاربات السابقة، و تحقيقا للغايات التربوية المنشودة فإن   واقعنا  المجتمعي-  المتأثر بالصيرورات المشار إليها سابقا -    مطالب أكثر من أي وقت مضى أن ينخرط  في  التحولات  التربوية وفق الشروط التاريخية التي تأخذ بعين الاعتبار خصوصية البيئة المحلية و تحولات المعرفة الكونية في أفق المزاوجة بينهما عند صياغة المشروع التربوي. و تحقيقا لذلك، فإن إشكالية التجديد التربوي المرتقب، يجب أن  يرجع  و بجدية إلى مضامين  الوثائق آلاتية كمنطلق لكل قراءة تطمح إلى رسم معالم استراتيجية التجديد التربوي المنفتح. و هي                   
  • وثيقة الميثاق الوطني للتربية و التكوين.   
  • منظومة حقوق الإنسان. 
  • أدبيات  منظومة اقتصاد السلطة   
  • الوثيقة – الإطار للتنمية البشرية. 
  • مدونة الأسرة. 

إن رهان جودة التجديد التربوي التاريخي، عليه أن يتأسس على توفير الظروف الملائمة لحوار تربوي مندمج و منفتح على كل مكونات المجتمع و التي من شأنها أن تأتي بتمثلات واعية و مرنة بخصوص إشكاليات التجديد المطروحة. و يعتبر  التمثل التاريخي للتجديد التربوي طاقة تفسيرية واعدة تفتح آفاق رحبة من شأنها أن تغذي ظروف الحوار التربوي القائم حاليا و المرتقب بشكل مستمر مستقبلا.  فالمرجعيات النظرية التي تتضمنها الوثائق السالفة الذكر، من المفروض أن تكون أرضية للنقاش  كي نحاول على ضوء توجيهاتها أن نزاوج بين مختلف المشاريع و المقترحات التفسيرية و التحليلية التي سوف تنتج عن الحوار التربوي في موضوع رهانات التجديد في مسألة التربية و التكوين. 
---------------
*محمد نجي – المغرب
إجازة  في علم النفس


0 التعليقات:

إرسال تعليق