الدليل الإرشادي لتطبيق التعليم الصريح في تدريس الرياضيات بالمرحلة
الابتدائية
مقدمة: نحو فهم أعمق للتعليم الصريح في الرياضيات
لمواجهة تحديات التلقين السطحي وضمان بناء فهم رياضي حقيقي، يقدم
المنهاج المحدث نموذجًا بيداغوجيًا واضحًا: التعليم الصريح. يهدف هذا الدليل إلى
تزويد مدرسي المرحلة الابتدائية بإطار عملي ومتكامل لتطبيق هذا النموذج، الذي
يرتكز على تحقيق فهم عميق ومستمر لدى المتعلمين. يساهم التعليم الصريح في تحقيق
هذا الهدف من خلال تنظيم منهجي للحصص الدراسية، وتحديد دقيق لأدوار كل من المدرس والمتعلم،
واستخدام أدوات تقويم فعالة ومستمرة تضمن إتقان المفاهيم الأساسية وتوجيه الدعم
عند الحاجة.
1. المبادئ
الأساسية للتعليم الصريح وتأثيرها على منهاج الرياضيات
يشكل تبني مبادئ التعليم الصريح الأساس الاستراتيجي الذي بني عليه
منهاج الرياضيات المحدث، وذلك لضمان إتقان المتعلمين للمفاهيم والمهارات الأساسية
بشكل متدرج ومترابط. تؤثر هذه المبادئ بشكل مباشر على تصميم البرنامج الدراسي،
وبنية الحصص، وأدوات التقويم المعتمدة.
تتمحور هذه المبادئ حول أربعة محاور أساسية:
- التدرج من
البسيط إلى المركب: يتم تصميم
المناهج عبر تحديد الأفكار الرئيسة أولاً، ثم ترتيبها في مسار تصاعدي يبدأ من
المفاهيم البسيطة وصولاً إلى الأكثر تعقيدًا، مما يضمن بناءً معرفيًا متينًا
ومنطقيًا.
- تخفيف
الحمولة المعرفية: يتم
التركيز في كل حصة على أهداف تعليمية واضحة ومحددة وقابلة للتحقق ضمن إطار
زمني محدد، مما يساعد المتعلمين على استيعاب المفاهيم الجديدة دون إرهاق
معرفي يعيق التعلم.
- التحكم
بدل التغطية: تُعطى
الأولوية لإتقان المفاهيم الأساسية والتحكم فيها، مما يعني أن تخطيط الدرس
يجب أن يركز على عمق النشاط الواحد بدلاً من تعدد الأنشطة، وضمان أن 80% على
الأقل من التلاميذ قد أتقنوا المفهوم قبل الانتقال إلى مفهوم جديد.
- التوليف
والمراجعة والدعم: تُعتمد
استراتيجية مراجعة متعددة المستويات لترسيخ الموارد التعليمية وضمان
استمراريتها، وتشمل مراجعة يومية لمستلزمات الدرس الجديد، ومراجعة أسبوعية
للموارد التي تم ترسيخها، ومراجعة في نهاية كل مرحلة دراسية (6 أسابيع).
هذه المبادئ الأربعة ليست مجرد أفكار نظرية، بل هي الخارطة التي توجه
كل خطوة في بنية الحصة الدراسية، حيث يضمن التدرج وتخفيف الحمولة المعرفية أن يكون
الانتقال من النمذجة إلى الاستقلالية سلسًا ومثمرًا.
2. هيكلة
الحصة الدراسية في الرياضيات: من النمذجة إلى الاستقلالية
إن بنية الحصة الدراسية المصممة وفقًا للتعليم الصريح هي التطبيق
العملي للمبادئ السابقة، حيث تنقل المتعلم تدريجيًا من الاعتماد على توجيه المعلم
إلى الاستقلالية التامة في إنجاز المهام. تتكون الحصة من ثلاث مراحل رئيسية
متكاملة.
2.1. المرحلة
الأولى: النمذجة (ماذا يفعل الأستاذ؟)
في هذه المرحلة، يكون دور المدرس مركزيًا بينما يلتزم المتعلمون
بالانتباه والتركيز. تبدأ المرحلة بالتصريح بالهدف بشكل واضح للمتعلمين،
كأن يقول المدرس:
"عند نهاية هذه الحصة، ستتمكنون من إنجاز كذا وكذا". بعد
ذلك، يقوم المعلم بنمذجة المهمة المطلوبة بنفسه، موضحًا: "سأبين
لكم كيف أنجز هذه المهمة".
أثناء النمذجة، يفكر المدرس بصوت عالٍ ليشرك المتعلمين في عملياته
الذهنية، طارحًا أسئلة مثل:
- "ما
المراحل التي يجب أن أتبع؟"
- "ما
القواعد التي يجب أن أحترم؟"
- "ما
الأخطاء التي يجب أن أتجنب؟"
الهدف من هذه المرحلة هو تزويد المتعلمين بنموذج واضح وصريح لكيفية
التفكير وحل المشكلة قبل أن يُطلب منهم القيام بذلك بأنفسهم.
2.2. المرحلة
الثانية: الممارسة الموجهة (لنشتغل معًا)
هنا، يتحول التركيز إلى العمل المشترك تحت شعار "لنشتغل
معًا"،
حيث يعمل المدرس والمتعلمون على مهمة شبيهة بالمهمة التي تم عرضها في مرحلة
النمذجة.
يتغير دور المدرس هنا ليصبح مُيسّرًا وموجهًا؛ حيث يقوم بـ:
- طرح أسئلة
بسيطة للتحقق من فهم المتعلمين.
- تقديم
المساعدة بتذكير المتعلمين بالقواعد والمراحل التي تم شرحها.
- تقديم
تغذية راجعة فورية لتصحيح الأخطاء وتعزيز الفهم.
في المقابل، يُطلب من المتعلمين الإجابة على الأسئلة والمشاركة
الفعالة في التصحيح الجماعي، مما يضمن انتقالهم من دور المتلقي السلبي إلى المشارك
النشط.
2.3. المرحلة
الثالثة: الممارسة المستقلة (دوركم الآن)
تهدف هذه المرحلة النهائية إلى التحقق من قدرة المتعلمين على تطبيق ما
تعلموه بشكل مستقل، حيث يوجههم المدرس بقوله: "لتقوموا
بإنجاز مهمة شبيهة بما رأينا بمفردكم".
دور المدرس في هذه المرحلة هو المراقبة والدعم الفردي؛ حيث:
- يتجول بين
الصفوف لملاحظة أداء المتعلمين.
- يقدم
المساعدة الفردية للمتعلمين الذين يواجهون صعوبات.
- يقدم
تغذية راجعة فردية بناءً على إنجازاتهم.
تمتد الممارسة المستقلة لتصبح جزءًا من دورة التعلم المستمرة عبر
أشكال متعددة:
- تمارين
منزلية لترسيخ المفهوم.
- تمارين
داخل القسم خلال حصص الدعم والمراجعة.
- تمارين
تذكيرية في بداية الحصة عند تقديم تعلمات جديدة تستدعي مكتسبات سابقة.
تطور دور المتعلم عبر مراحل الحصة
يوضح الجدول التالي كيف يتطور دور المتعلم من الاعتمادية إلى
الاستقلالية، مع تحديد مستويات الدعم والتحكم المتوقعة في كل مرحلة.
|
المعيار |
النمذجة |
الممارسة الموجهة |
الممارسة المستقلة |
|
مستوى الإسناد/الدعم |
موجه لكل التلاميذ |
موجه لكل التلاميذ |
موجه أساسًا للمتعثرين |
|
درجة استقلالية المتعلم |
لا توجد |
منخفضة إلى متوسطة |
عالية |
|
مستوى التحكم المنتظر |
أقل من 50% |
على الأقل 70% |
على الأقل 80% |
يعتمد نجاح هذا النموذج الثلاثي على التقييم المستمر الذي يرافق كل
مرحلة، مما يضمن تحقيق الأهداف المنشودة وتوجيه الدعم بفعالية.
3. استراتيجيات
التقويم والتتبع لضمان تحقق الأهداف
التقويم في إطار التعليم الصريح ليس مجرد اختبار نهائي، بل هو عملية
مستمرة ومتكاملة مع التدريس، تهدف إلى التتبع الدقيق لمستوى تحكم المتعلمين في
الكفايات وتوجيه الدعم بشكل فوري وفعال.
ينتظم التقويم وفق محطات رئيسية، ولكل محطة أدواتها الخاصة كما يوضح
الجدول التالي:
|
محطة التقويم |
أدوات التقويم المعتمدة |
|
تنشيط المستلزمات |
- أسئلة تحقق (اختيار من متعدد) - تمارين
سريعة على الألواح - أنشطة تمهيدية على الكراسة |
|
أثناء الممارسة الموجهة |
• أسئلة
تفاعلية حول الاستراتيجية المنمذجة - تمارين
مكافئة للنشاط الرئيسي - أسئلة للتحقق من كيفية توظيف الاستراتيجية - مجموعة تمرين
نهاية الممارسة الموجهة للوقوف على استعداد المجموعة للمرور إلى الممارسة
المستقلة |
|
أثناء الممارسة المستقلة |
• ملاحظة
مباشرة لأداء المتعلمين• أنشطة التدرب على الكراسة |
|
نهاية كل مرحلة (6 أسابيع) |
• رائز
المراقبة المستمرة الخاص بالمرحلة |
الإجراءات المتخذة في حال عدم تحقق الفهم:
يتم اتخاذ إجراءات تصحيحية فورية بناءً على نتائج التقويم في كل مرحلة:
- بداية
الممارسة الموجهة (أقل من 50% فهم): إذا
لم يتحقق الفهم لدى أكثر من نصف المتعلمين، يجب على المدرس العمل على إعادة
النمذجة.
- نهاية
الممارسة الموجهة (أقل من 70% فهم): إذا
كان مستوى التحكم أقل من 70%، يجب تمديد مرحلة الممارسة الموجهة لضمان
فهم أعمق.
- نهاية
الممارسة المستقلة (أقل من 80% فهم): إذا
كان مستوى التحكم أقل من 80%، يجب أخذ الدرس بعين الاعتبار أثناء حصة
الدعم الأسبوعية مع التركيز على المتعلمين المتعثرين.
3.1. مستجدات
نظام التقويم: اعتماد سلم رباعي لمستويات التحكم
تم اعتماد سلم جديد لتقييم مستويات تحكم المتعلمين، يتكون من أربع
درجات:
- D: غير متحكم
- C: متحكم
جزئي
- B: متحكم
- A: متحكم جيد
هذا السلم ليس مجرد أداة لإصدار حكم قيمي، بل هو أداة تشخيصية تمكّن
المدرس من تصميم تدخلات دقيقة ومختلفة؛ فالمتعلم في المستوى 'D' يحتاج
لإعادة نمذجة، بينما المتعلم في المستوى 'C' قد
يستفيد من ممارسة موجهة إضافية. يساعد هذا السلم على تحديد فئة المتعلمين الذين
يعانون من تعثرات عميقة لتوجيه تدخلات الدعم بشكل أكثر فاعلية.
3.2. مستجدات
نظام التقويم: ضمان نزاهة الروائز
لضمان مصداقية وموضوعية التقويم، تم تشديد التدابير المتعلقة بروائز
المراقبة المستمرة، وتشمل:
- اعتماد
نفس إجراءات تقاسم الاختبارات الإشهادية لضمان سريتها.
- تزويد
النسخ بهويات مائية لتتبعها ومنع تسريبها.
- بناء بنك
روائز متكافئة وممعيرة لضمان تكافؤ الفرص بين المتعلمين.
تُطبق هذه الاستراتيجيات التقويمية ضمن إطار محتوى دراسي تم تحيينه
ليعزز الفهم المتدرج والعميق.
4. نظرة
عامة على مستجدات البرنامج الدراسي للرياضيات
تُطبق استراتيجيات التعليم الصريح على محتوى دراسي تم تحديثه وتنظيمه
ليعزز بناء المفاهيم بشكل منطقي ومتدرج. ينتظم البرنامج الدراسي الجديد في أربعة
مجالات رئيسية، مع إدخال تعديلات تهدف إلى تعميق الفهم وتعزيز الترابط بين
المفاهيم.
4.1. مجال
العد والحساب
- إضافة درس
خاص بـ الأعداد الترتيبية في المستوى الأول لترسيخ مفاهيم الترتيب
والتسلسل.
- إدراج المستقيم
العددي كأداة أساسية لتمثيل مختلف أنواع الأعداد، مما يمنح المتعلمين
تصورًا بصريًا للعلاقات بين الأعداد.
- تقديم
الأعداد المكونة من ستة أرقام بدءًا من المستوى الثالث لمواكبة تطور
الفهم العددي.
- تأخير
التقنيات الاعتيادية للضرب (للمستوى
الثالث) والقسمة (للمستوى
الرابع)، وذلك لإعطاء الأولوية للفهم المفاهيمي للعملية قبل الإجرائي، وهو ما
يمنع التلاميذ من تطبيق خوارزميات لا يفهمون أساسها المنطقي.
- إدراج
دروس حول أولوية العمليات والأقواس بدءًا من المستوى الخامس لبناء أسس
التفكير الجبري السليم.
4.2. مجال
الهندسة والقياس
- دمج مجالي
الهندسة والقياس في مجال
واحد لتعزيز الترابط الوثيق بينهما، حيث أن المفاهيم الهندسية غالبًا ما
تُبنى وتُفهم عبر القياس والعكس.
- إدراج
دروس خاصة بكيفية استخدام الأدوات الهندسية بدقة، لضمان امتلاك
المتعلمين للمهارات العملية الأساسية.
- تأخير دروس
الإزاحة ورسم منصف الزاوية إلى المستوى الإعدادي لتخفيف
الحمولة المعرفية والتركيز على المفاهيم الهندسية الأساسية في المرحلة
الابتدائية.
4.3. مجال
تنظيم ومعالجة البيانات
- تعزيز
قدرة المتعلمين على قراءة وتحليل البيانات عبر إدخال تمثيلات بصرية جديدة
ومناسبة لمستواهم العمري.
- إدراج المبيان
الأيقوني (pictographe) في
المستويات الدنيا لتبسيط عرض البيانات وجعلها أكثر جاذبية.
- إدراج المبيان
النقطي في المستوى السادس لتمثيل البيانات بشكل أكثر تفصيلاً ودقة.
4.4. مجال
حل المسائل
- تخصيص مجال
مستقل لحل المسائل، مما يرفعها من مجرد تمرين تطبيقي إلى كفاية
استراتيجية يتم تدريسها بشكل صريح وممنهج.
- التركيز
على تمكين المتعلمين من فهم واستخدام مختلف التمثيلات (الرسوم،
الجداول، المخططات) كأدوات للتفكير وحل المسائل.
- تشجيع
المتعلمين على تطبيق الأدوات والمهارات المكتسبة في المجالات الأخرى،
مما يرسخ فكرة أن الرياضيات وحدة متكاملة.
إن هذه التعديلات المنهجية، جنبًا إلى جنب مع تطبيق استراتيجيات
التعليم الصريح، تساهم في خلق بيئة تعلم متكاملة وفعالة، تركز على الفهم العميق
والإتقان المستدام.
خاتمة: تمكين المعلم لتحقيق تعلم مستدام
يقدم هذا الدليل إطارًا متكاملاً يوضح أهمية مبادئ التعليم الصريح،
ويشرح الهيكل الثلاثي للحصة الدراسية (النمذجة، الممارسة الموجهة، والممارسة
المستقلة)، ويبرز الدور المحوري للتقويم المستمر في تتبع تعلم التلاميذ وتوجيه
الدعم. يهدف هذا الإطار المنهجي إلى تمكين المعلم من بناء فهم رياضي عميق ومستدام
لدى المتعلمين، وتحويلهم من مجرد متلقين للمعلومات إلى مشاركين نشطين في بناء
تعلماتهم، وقادرين على توظيف مهاراتهم لحل المشكلات بثقة وكفاءة.








