فضاء الأستاذ

فضاء الأستاذ صفحة من الصفحات الإلكترونية لمدرسة الشريف الإدريسي بطنجة

25‏/12‏/2013

إشكالية التربية و التعليم بالمغرب: أزمة الإصلاح أم إصلاح الأزمة؟

 


إشكالية التربية و التعليم بالمغرب: أزمة الإصلاح أم إصلاح الأزمة؟ 

عبد الغفور العلام

يشكل إصلاح المنظومة التربوية ببلادنا التحدي الأكبر والرهان الأساسي لبلوغ التنمية الاقتصادية و الاجتماعية المنشودة، على اعتبار أن إصلاح قطاع التربية و التعليم هو بالأساس  استثمار في الرأسمال البشري، الذي يشكل الثروة الوطنية الإستراتيجية لمواجهة تحديات العولمة و التنافسية و السباق نحو امتلاك الخبرات و العلوم  و التقنيات ، باعتبارها النواة الصلبة لتأسيس مجتمع العلم والمعرفة، و المدخل الأساسي للرقي ببلادنا إلى مصاف المجتمعات المتقدمة.

 فتاريخ المنظومة التربوية المغربية هو تاريخ الإصلاحات بامتياز، وفي نفس الوقت تاريخ  صعوبات و إكراهات تنزيلها على أرض الواقع، حيث أن كل الإصلاحات  المتعاقبة على المنظومة التربوية  المغربية باءت بالفشل، نظرا لكونها لم تبلغ، لا القصد من بلورتها، ولا الهدف من إعدادها. لتتعدد الأسئلة و تتشعب الإجابات: لماذا فشلت الإصلاحات التربوية السابقة ؟  لماذا لم  تحقق الأهداف المسطرة و لم تبلغ النتائج المرجوة  ؟  و ما هي أهم مداخل الإصلاح التربوي المنشود؟

 

1 – حصيلة الإصلاحات المتعاقبة : مجهودات مهمة في مقابل نتائج مخيبة للآمال.

فرغم كل المخططات و البرامج الإصلاحية التي تعاقبت على المنظومة التربوية بالمغرب، وكل الإمكانيات و الموارد المتاحة من طرف السلطات التربوية (مالية، مادية، بشرية... )، وبالرغم من المجهود المالي و الإعتمادات المهمة المرصودة من طرف الدولة، حيث تمثل ميزانية التربية و التعليم  28 % من الميزانية العامة  و7 %من الناتج الخام الوطني. نجد في المقابل، أن آخر البيانات و المعطيات الإحصائية والتقارير الدولية و الوطنية، تؤكد على أن منظومتنا التربوية تحتضر و تصاب بانتكاسة تلو أخرى، وتعرف كسادا وتكلسا حادين، مما سيجعلها - إن لم تتخذ السلطات الوصية في أقرب الآجال القرارات  المصيرية والحاسمة و الجريئة -  تصل لا قدر الله إلى السكتة القلبية.

آخر هذه التقييمات، تقرير التنمية البشرية لعام 2013 الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي كشف أن معدل إلمام البالغين بالقراءة و الكتابة (من فئة 15 سنة فما فوق) بلغ  %56.1 . كما أن نسبة السكان (فئة 25 سنة فما فوق) الحاصلين على مستوى التعليم الثانوي لا تتعدى 28 %.

ويشير التقرير الأممي كذلك، إلى أن النسبة الإجمالية للالتحاق بالتعليم  تتباين حسب الأسلاك التعليمية، حيت تم تسجيل على التوالي %114 بالابتدائي و  56% بالثانوي  و  %13.2 بالتعليم العالي.  فيما ناهز  معدل التسرب من التعليم الابتدائي 9.5% ، وهي نسبة مرتفعة مقارنة مع المعدلات المسجلة من طرف الدول ذات المستوى الاقتصادي المماثل لبلادنا.

و في نفس السياق، فإن نتائج الدراسة الدولية لقياس مدى تقدم القراءة في العالم "PIRLS"، والاتجاهات في الدراسة العالمية للرياضيات والعلوم "TIMSS" اللتين تقيسان  استنادا إلى معايير علمية وموضوعية، مدى نجاعة وجودة الأنظمة التعليمية في العالم فيما يخص التعليم الأساسي والنوعي، كشفت عن احتلال تلاميذ الصف الرابع  ابتدائي بالمغرب، مراتب جد متأخرة في ما يتعلق بقياس تقدم القراءة وتقييم الاتجاهات في الرياضيات والعلوم ضمن ثلاث مجموعات من أصل 63 دولة  شملتها الدراستان : مجموعة "أسوأ" أداء في القراءة رفقة سلطنة عمان وقطر، ومجموعة "أخيب" أداء في الرياضيات مجاورا كلا من اليمن والكويت، وأخيرا مجموعة "الكسالى" في العلوم مع اليمن وتونس. وهذا يشير إلى أن تلاميذ الصف الرابع  ابتدائي يجدون صعوبة كبيرة في التمكن من مهارات القراءة باللغة العربية.

كما أصدرت منظمة  "اليونسكو" مؤخرا تقريرا صادما عن واقع التربية والتعليم بالمغرب، حيث أشار التقرير الذي تناول بالتفصيل المنظور العالمي حول انتقال التلاميذ إلى التعليم الثانوي، ونسبة الأساتذة وبيئة وجودة وتمويل التعليم  في إطار مقارنة إحصائية لواقع التربية والتعليم في العالم لسنة 2011، أن المنظومة التربوية المغربية تحتل مراتب متأخرة في أغلب المؤشرات التربوية  مقارنة مع المنظومات التربوية لأغلب الدول العربية و الإفريقية.

ف 10 % من الأطفال الذين بلغوا سن التمدرس لم يلتحقوا بالمؤسسات التعليمية ، في مقابل ذلك سجلت تونس نسبة 100 %، وحققت قطر نسبة 98 %، ومصر 97.5 %، والكويت 97 %، ثم البحرين 93 %. كما أن معدل الانتقال من التعليم الابتدائي إلى الثانوي الإعدادي بلغ حوالي 87 %، حيت جاء ترتيب المغرب وراء إثيوبيا التي سجلت معدل 91 % ، فيما سجلت كل  من  السودان وتونس والبحرين وجيبوتي 96 % .

بالإضافة إلى ذلك، أكد تقرير منظمة "اليونسكو" أن نسبة انتقال التلاميذ إلى الثانوي الإعدادي في المغرب بلغت 34.5 %، وهي نسبة جد متدنية مقارنة مع ما حققته دول الأخرى ( البحرين 89 % ،الكويت 79 % ، قطر 77 %، مصر 65 % ، ناميبيا 54 %، كينيا 50 % ، غانا 46 %).

كما أشار التقرير المذكور، إلى أن نسبة المقروئية بالمغرب بالنسبة للفئة العمرية  فوق 15 سنة بلغت حوالي 56 %، منها 44 % بالنسبة للإناث. وكشفت الإحصائيات و المؤشرات المقارنة، أن المغرب احتل مع موريتانيا رتبة جد متأخرة مقارنة مع الدول العربية . كما حققت قطر نسبة 95 %، تليها الأردن بنسبة 91 %، وسجلت عمان وليبيا والسودان وتونس ومصر نسب عالية.

و في هذا الصدد، أوضحت دراسة أجراها مؤخرا موقع (Averty.ma)  من خلال استطلاع للرأي عبر الانترنت ، أن المغاربة غاضبون من التعليم العمومي كما أنهم بدؤوا يفقدون ثقتهم في النظام التربوي، مما يعزز شعور عام بخيبة الأمل والإحباط، فسواء قبل أو بعد الباكلوريا، فمعدل رضا المستجوبين جد منخفض. حيث عبر 58 % من المستطلعة آراؤهم عن عدم رضاهم عن الدروس التي تقدم بالمغرب٬ فيما يعتبر 9 من أصل 10 أن المخطط الاستعجالي لم تكن له فائدة تذكر.

 

2 - تاريخ الإصلاحات التربوية بالمغرب تاريخ أزمة بامتياز.

مند الاستقلال إلى حد الآن، توالت على المنظومة التربوية المغربية مجموعة من الإصلاحات و المناظرات و اللجن :اللجنة الرسمية لإصلاح التعليم (1957 )، اللجنة العليا لإصلاح التعليم (1958)، مناظرة المعمورة(1964 )، مشروع إصلاح التعليم  بإفران ) 1980) اللجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم (1994)، ثم الميثاق الوطني للتربية والتكوين(2000/2010 )، و مؤخرا البرنامج الاستعجالي (2009/2012 ).

فواقع الحال، يشير إلى أن تاريخ الإصلاحات التربوية بالمغرب و التي كان أهمها الميثاق الوطني للتربية و التكوين و آخرها البرنامج الإستعجالي 2009/2012 ،  هو تاريخ أزمة بامتياز، فالسياسات التعليمية المتعاقبة على المنظومة التربوية، فشلت في إنجاز مشروع وطني إصلاحي حول المدرسة المغربية.

اختلالات في أجرأة الميثاق الوطني للتربية و التكوين:

فالميثاق الوطني للتربية و التكوين باعتباره أهم وثيقة لإصلاح منظومة التربية و التكوين أجمع عليها كل الفاعلين والشركاء والمتدخلين في الشأن التربوي أنداك، دقق في الكثير من التفاصيل و التزم بأهداف و مؤشرات عجزت المنظومة التربوية على تحقيقها. ولذلك نكاد نجزم أن سبب الفشل في تنزيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين  يرجع بالأساس إلى أسباب تدبيرية و تواصلية و مالية. حيث تم تسجيل ضعف ونقص في تكوين المكلفين بأجرة الميثاق في مجال التدبير التربوي و الإداري و المالي. كما أنه لم تتم التعبئة المجتمعية بالشكل الكافي و المطلوب لضمان انخراط كافة المتدخلين و الفاعلين و الشركاء في مجهودات الإصلاح. بالإضافة إلى أن الحكومة حينئذ، لم تتمكن من توفير الإعتمادات المالية الضرورية التي التزمت بها ( الرفع من ميزانية قطاع التعليم ب 5 % سنويا) لتمويل تنزيل مقتضيات الميثاق الوطني.

  و في هذا السياق، جاء تقرير المجلس الأعلى للتعليم في نهاية عشرية التربية و التعليم ليدق ناقوس الخطر، و ليعلن فشل تنزيل الميثاق الوطني للتربية و التكوين نتيجة تضافر خمس اختلالات أساسية :

* إشكالية الحكامة على مختلف المستويات ؛

* انخراط المدرسين في مزاولة المهنة في ظروف صعبة ؛

* نموذج بيداغوجي أمام صعوبة الملاءمة والتطبيق ؛

* إشكالية تعبئة الموارد المالية وتوزيعها؛

*ضعف التعبئة حول إعادة الاعتبار للمدرسة المغربية .

و تأسيسا على ذلك، فإن الميثاق الوطني للتربية و التكوين كان في الواقع، جوابا سياسيا أكثر منه جوابا تربويا و بيداغوجيا على إشكاليات التربية والتعليم ببلادنا، على  اعتبار أن  السياسات التعليمية كانت مرتبطة بالمشروع المجتمعي و بالاختيارات السياسية التي كانت سائدة أنداك ( حكومة التناوب، مشروع الانتقال الديمقراطي)، حيث لا يمكننا أن نتكلم عن إصلاح تربوي ناجح  في غياب توافق سياسي حقيقي لكافة الحساسيات الوطنية، حول المرامي  و الوظائف و الاختيارات الأساسية للمدرسة المغربية.

تعثرات البرنامج الإستعجالي :

بعدما استنفذ الميثاق الوطني للتربية و التكوين لكل أغراضه، تمت بلورة و إعداد وتنزيل البرنامج الإستعجالى 2009/2012 ، الذي اعتبر من طرف المسؤولين عن القرار التربوي حينئذ، كنفس جديد للإصلاح، حيث خصصت له اعتمادات مهمة تقدر ب41 مليار درهم، أي بزيادة تقدر ب 33  % عما كان يخصص سابقا لميزانية وزارة التربية الوطنية.

 على أنه و على الرغم  مما تحقق من نتائج ملموسة في بعض المجالات كتعميم التعليم و العرض المدرسي ( تحسن في نسب التمدرس، تأهيل و إصلاح مجموعة من المؤسسات التعليمية، توسيع الاستفادة من عمليات الدعم الاجتماعي، استعمال تكنولوجيا الإعلام و التواصل...)، و بالرغم كذلك من أهمية بعض المقاربات المعتمدة في تنزيله كالمقاربة بالمشروع و مقاربة التدبير بالنتائج ، فالأهداف المحددة لم تكن مركزة بالشكل المطلوب ، كما غابت مسألة تحديد الأولويات، حيث تم فتح مجموعة من الأوراش في وقت واحد ( 26 مشروع)، مما أدى إلى تشتت المجهودات و تبديد الموارد المالية و البشرية و تضييع الجهود والطاقات.

وعلى هذا الأساس، فالبرنامج الإستعجالي كان بدوره جوابا تقنيا صرفا حيث لم يجسد الجواب التربوي والمجتمعي المنتظر على المعضلات و الاشكاليات الأفقية للمنظومة التربوية المتمثلة في ترسيخ ممارسة الحكامة الجيدة و تحسين جودة التعليم و الإرتقاء بوظائف المدرسة المغربية و أدوارها . كما أنه افتقد للرؤية الإستراتيجية و لإشراك  وتعبئة وانخراط كافة الفاعلين و المعنيين بالشأن التعليمي في صناعة القرار التربوي. بالإضافة إلى أن ثقافة التقييم و التتبع والقيادة و آليات المحاسبة و المساءلة كانت غائبة في تنزيله.

 

3 - بعض المداخل الأساسية للإصلاح التربوي المنشود.

إن مكمن الخلل في الإصلاحات  المتعاقبة على المنظومة التربوية يتجسد في اعتقادنا  في كونها لم تصل بعد إلى التلميذ باعتباره محور العملية التربوية و المستهدف الأول والأساسي من العملية الإصلاحية ، بقدر ما كانت تحوم حول المعضلات التربوية الكبرى دون ملامسة جوهر وكنه الإشكاليات الجوهرية للمنظومة التربوية .

و على هذا الأساس، يستوجب من السلطات التربوية مراجعة الإستراتيجيات و المخططات التربوية المعتمدة،  وكذا الآليات و الوسائل و المقاربات الإصلاحية، من خلال اعتماد سياسة تربوية متعددة الأبعاد و المستويات تستدعي استحضار كافة العوامل و الأسباب المرتبطة بأزمة النظام التعليمي (العوامل الذاتية و الموضوعية...) . على اعتبار أنه لا يمكن إصلاح المنظومة التربوية بمعزل عن السياق السياسي والاجتماعي و الاقتصادي الراهن، ودون الأخذ بعين الاعتبار بعلاقة وتأثير باقي السياسات القطاعية الأخرى على قطاع التربية و التعليم (نهج الالتقائية في التدبير) .

وعليه، فإن نجاح الإصلاح التربوي المنشود مرتبط بالأساس، بإعطاء الأولوية للحلول التربوية و البيداغوجية لمعالجة اختلالات المنظومة التربوية عبر استبعاد منطق المعالجة التقنية الصرفة للإشكاليات التربوية، وتجاوز المقاربة الكمية  إلى ما هو نوعي، من خلال التركيز على المستهدف الأساسي من الإصلاح (التلميذ/ة ) .و كذا تجديد المحتويات و المضامين و تحديث البرامج و المناهج الدراسية ، ومراجعة المقاربات التدبيرية المعتمدة حاليا في تسيير الشأن التربوي.

ولن يتأتى ذلك، إلا بممارسة الحكامة الجيدة في تدبير المنظومة التربوية، عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة، والحرص على ترسيخ مبادئ الجودة والشفافية وتكافؤ الفرص في الاستفادة من الخدمات التربوية ؛ وكذا إعمال المقاربة التعاقدية والتدبير بالنتائج من أجل تخليق وشفافية التدبير المالي و المادي.

 بالإضافة إلى ضرورة العمل على تثمين العنصر البشري (نساء ورجال التعليم)، عبر إعادة الاعتبار له و تحفيزه ماديا و معنويا . وكذا تفعيل المقاربة التشاركية و إنجاز تعبئة مجتمعية شاملة حول الإصلاح التربوي، عن طريق إعداد وتنفيذ خطة تواصلية محكمة قصد ضمان تعبئة و انخراط  ومساهمة كافة الفاعلين و المتدخلين و المعنيين (تلاميذ، أساتذة، إدارة تربوية،مدبرون،مسئولون، أطر تربوية، مفتشون، نقابات، جمعيات المجتمع المدني...) في المجهود الإصلاحي، في أفق إعادة الثقة إلى المدرسة المغربية و إنجاح الإصلاح التربوي المنشود، باعتباره المدخل الأساسي لربح الرهان التنموي لبلادنا.

 

عبد الغفور العلام 

مفتش التخطيط التربوي

03‏/12‏/2013

التواصل في فضاء المؤسسة التربوية

 


التواصل في فضاء المؤسسة التربوية

محمد الفتحي

أصبح التواصل من القضايا التي تحتل صدارة اهتمام الحقل الإعلامي والتربوي والفني والثقافي، يعبر عن هذا الانشغال المتزايد غزارة الحديث والانتاجات والدراسات في هذا الميدان، لهذه الأهمية ارتباط وثيق بالثورة الهائلة في مجال تطور وسائل وتقنيات الاتصال والتواصل، وللوضعية الجديدة التي افرزها نظام العولمة حيث صار التوجه نحو إلغاء الحواجز والإجراءات الحمائية· ومع ذلك يثار حول الموضوع جدل عميق تتعدد حوله الرؤى والاستنتاجات، فبينما يعتبر البعض العالم بمثابة قرية صغيرة قد تقلصت رقعته الجغرافية بفضل سهولة الاتصال، فانه على النقيض من ذلك تبرز هواجس تعذر التواصل سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي، لهيمنة النزعة الذاتية والانغماس في ما هو يومي، ولتعقيد اشكالية الحوار الثقافي والحضاري· ولعل مختلف تطورات المحيط السوسيو ثقافي والاقتصادي وتحديات التجديد التربوي تحاصر المؤسسة التعليمية بمجموعة من الاسئلة من قبيل: أي وضع لهذه المؤسسة في ظل مختلف المستجدات؟ كيف تنتظم فيها العلاقات؟ أي دور للتواصل من أجل انخراطها الايجابي في أوراش الاصلاح؟ ما طبيعة التحديات التي تواجهها المؤسسة التربوية اليوم؟ الا يعود الكثير منها الى مسألة التواصل، أليس التواصل احدى مشكلاتها؟ الى اي حد يمكن اعتباره المدخل الرئيسي لتذليل مجموعة من الصعوبات؟ والى أي مدى هو أساس انجاح المشروع التربوي لهذه المؤسسة؟

اذا كان عالم المال والاقتصاد يعرف تطورات متنوعة في اطار العولمة مما حتم على المقاولة التأهيل والتطوير لتقوية القدرة التنافسية فأصبحت الجودة والمردودية والهيكلة والتواصل، من أهم انشغالات المقاولة الحديثة، تغيرت معها طريقة الاشتغال والتسيير ومقومات الخطاب، واصبح موضوع التواصل والإعلام من الاهتمامات الاساسية ومؤشرا من مؤشرات حسن التدبير، فإن المؤسسة التعليمية تعرف بدورها خلال العقود الأخيرة تطورات عديدة لأسباب خارجية تتجلى في العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولتطور المنظومة التربوية، وهي الآن تلج آفاقا جديدة في ظل المستجدات التربوية والتدبيرية حيث تبرز ضرورة تجديد وظائفها وعلاقاتها الداخلية وتلك التي تربطها بالمحيط الخارجي· في هذا النطاق يبرز الاتصال والتواصل كشرط اساسي لتحقيق الأهداف المنشودة ويحمل مفهوم الفضاء دلالات وأبعاد جديدة·

نعم ان كانت المدرسة مؤسسة عمومية تؤدي خدمات تربوية وفق التشريعات المسطرة في هذا المجال، وذلك في اطار فضاء مادي، فان المفهوم الجديد للحياة المدرسية وتطور اساليب تدبير شأنها المادي والمالي والاداري والتربوي· وانطلاقا من مجموعة من المستجدات التربوية، وترسيخ ضرورة انفتاحها على المحيط، اصبح هذا الفضاء مجالا تربويا مفتوحا حيث لم يعد تسيير المؤسسة من مسؤولية الادارة فقط بل صار شأنا جماعيا يساهم في تدبيره وصيانته وتنشيطه عدة أطراف خاصة جمعيات الآباء والجماعات المحلية والمجتمع المدني، كما أنه فضاء من المفترض تفاعله ايجابيا مع المحيط السوسيو ثقافي لتكون المدرسة حقا مساهمة في التنمية وتعمل في الآن ذاته على الاستفادة من ثمراتها·

إن فضاءها فضاء حي تنتعش فيه مجموعة من العلاقات بحمولاتها التربوية والاجتماعية والثقافية والنفسية مما يجعله ايضا فضاء نفسيا واجتماعيا وتربويا·

مما يحتم النظر الى التواصل في ظل هذا المفهوم الجديد للفضاء كظاهرة معقدة ومتشابكة وليس مجرد نقل للمعلومات والأخبار وفق نموذج مرسل - متلق- ذلك أن هذا التصور الخطي للعملية التواصلية يجعلها تسير في اتجاه واحد وتنطلق من فرضية اساسها كون احد الطرفين يبت الرسالة والأخر يستقبلها في حين يحمل التواصل التربوي ابعادا متنوعة، فالمرسل ملزم بمراعاة تزامن التبادل خلال هذه العملية، خصوصا وقد اصبحت المناهج الجديدة تنقل العملية التربوية من بعدها التعليمي، حيث محورية المدرس الى وضع يصبح المتلقي محور العملية·

فيصبح التواصل في هذا الإطارعبارة عن تدخل بواسطة جملة من الوسائل منظمة في اطار نسق تعبيري معين يهدف حل مشكلة مشتركة تفرضها وضعية محددة وذلك في سياق خاص فالفضاء بكل حمولاته وابعاده يصير فاعلا حقيقيا في العملية التواصلية وعرضة لديناميتها·

التواصل وتجديد وظائف المدرسة

تعرف المنظومة التربوية تحولات عميقة تربط بين الإصلاح التربوي والإداري وتحسين اساليب التدبير بتحديث الوسائل وطرائف العمل وتطوير كفايات أطر الادارة التربوية·

إذ بالاضافة الى التكوين والخبرة والمؤهلات الذاتية، فإن القدرات التواصلية من المقتضيات الاساسية لإنجاز المهام المنوطة بالادارة التربوية في المجال الاداري والتربوي والمالي، حيث أضحى الجانب الاجتماعي ركنا اساسيا من هذه المهام· باعتبار الادارة التربوية ليست جسرا لتصريف المستجدات والتعريف بها فحسب، بل هي الأداة الاساسية للتعبئة والتحفيز للانخراط فيها عبر اسلوب تواصلي محفز، فان كان تحقيق الاصلاح رهينا بشروط مادية ومالية فإن الجوانب الاجتماعية والنفسية والعلاقات الانسانية شرط يحتل الاولوية في هذا النطاق·

انطلاقا من مختلف المستجدات، فإن وظائف المدرسة بدورها عرضة للتحديث، موازاة لذلك تتطور مهام اطر الادارة التربوية·

فإن كان من مهام الناظر والحارس العام المساهمة في تدبير مجموعة من الاشغال الادارية والتربوية، وبلورة مشروع المؤسسة، فان من مهامه ايضا المساهمة الفعالة في خلق التواصل مع كل الفاعلين في اطار ترسيخ المفهوم الجديد لوظائف المؤسسة·

في هذا الإطار فإن المربي حسب الميثاق الوطني للتربية والتكوين يقف من المتعلمين موقفا قوامه التفهم والإرشاد والمساعدة على التقوية التدريجية لسيرورتهم الفكرية والعلمية، وتنشئتهم على الاندماج الاجتماعي واستيعاب القيم الدينية والمجتمعية·

كما يتم الحرص على أن تكون هذه المدرسة الجديدة· مفعمة بالحياة، بفضل نهج تربوي نشيط، يتجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي الى اعتماد التعليم الذاتي، والقدرة علي الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي·

التواصل والمفهوم الجديد للحياة المدرسية

لم تعد الأنشطة الثقافية والاجتماعية والفنية بالمؤسسة التعليمية أنشطة تكميلية موازية، بل صارت في اطار المستجدات التربوية، القلب النابض لهذه المؤسسة، مما اعطى للحياة المدرسية بعدا جديدا باعتبارها مناخا وظيفيا في مكونات العمل المدرسي·· وتتشكل هذه الحياة من مجموع العوامل الزمانية والمكانية والتنظيمية والعلائقية، والتواصلية والثقافية والتنشيطية·

التواصل عنصر اساسي لتفعيل هذا المفهوم الذي يجعل بين التعبئة والتحسيس والتحفيز والاشعاع والتواصل، داخل فضاء هو مجال للتعايش والتضامن والتسامح واحترام الحقوق بعيدا عن كل اشكال التوتر والعنف·

التواصل اساس التدبيرالجديد للمؤسسة:

في اطار تفعيل سياسة اللامركزية واللاتمركز تضطلع المؤسسة التعليمية بمهام تجديد اساليب ادارتها، فإرساء مجالس التدبير وفسح المجال أمامها للابتكار والاجتهاد على مستوى المشروع التربوي، وتنمية الموارد وخلق فرص المبادرة، اصبحت مطالبة بان تكون: مفتوحة على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في صلب المدرسة، والخروج اليه منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن، مما يتطلب نهج علاقات جديدة وفضائها البيئي والمجتمعي والثقافي والاقتصادي·

المؤسسة التربوية وتعدد الشركاء

تتقاسم المدرسة الجديدة المسؤولية التربوية مع الاسرة، إذ على الاباء والأولياء الوعي بأن التربية ليست وقفا على المدرسة وحدها وبأن الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى وفق ما نص عليه الميثاق الوطني، الذي يضع مهاما كبرى على كل الفاعلين في الحقل التربوي، وذلك بالتركيز على مفهوم الشراكة، واذا كان نجاح المشروع التربوي رهينا بمدى اشراك ومساهمة مختلف الاطراف فإن المؤسسة صارت مطالبة بالتدبير الشفاف لمواردها وشؤونها بإشراك فعلي لشركائها عبر الحوار والتشاور والتواصل البناء·

وبالاضافة الى الوظائف التربوية والمعرفية تناط بها ايضا وظائف اقتصادية بالانفتاح على المحيط وبصفة خاصة على قطاع المقاولة والتكوين المهني والتعليم العالي والانفتاح على عالم الشغل والرياضة والبحث العلمي والتقني لتتمكن من المساهمة في التنمية الاقتصادية، وتستفيد من ثمراتها·

تعرف المنظومة التربوية تطورات مهمة، حيث يحظى هذا القطاع الحيوي بأهمية خاصة كإحدى الأولويات الوطنية الكبرى وباعتباره دعامة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، حيث حققت أوراش الاصلاح خطوات مهمة سواء على مستوى البرامج والمناهج وتفعيل الحياة المدرسية وتطوير تدبير الموارد البشرية أو على مستوى نمط التدبير، فاحتل مبدأ الجودة صدارة الاهتمام بعد تحقيق مؤشرات مهمة في ما يخص تعميم التمدرس، بالاضافة إلى تفعيل سياسة اللامركز واللاتمركز ونهج الشراكة والتعاون، فبرزت مفاهيم جديدة من قبيل المدرسة الجديدة، التخطيط الاستراتيجي، والتدبير التشاركي والانفتاح على المحيط وبرز التواصل كأحد الشروط الأساسية لتمكن المؤسسة التربوية من أداء المهام المنوطة بها وجعلها في صلب مختلف أوراش الإصلاح·

وبالإضافة الى الوظائف التربوية والمعرفية تناط بها ايضا وظائف اقتصادية بالانفتاح على المحيط وبصفة خاصة على قطاع المقاولة والتكوين المهني والتعليم العالي والانفتاح على عالم الشغل والرياضة والبحث العلمي والتقني لتتمكن من المساهمة في التنمية الاقتصادية، وتستفيد من ثمراتها·

محمد الفتحي: رئيس مصلحة الموارد البشرية والاتصال باكاديمية جهة فاس – بولمان

02‏/12‏/2013